قضية الأسلوب

ثقافة 2021/07/27
...

لؤي حمزة عبّاس
 
يُعدُّ الأسلوب من القضايا الأساسية في عملية الكتابة وصياغة العالم الخاص بالكاتب، وربما يمثل القضية الأهم بين قضايا الكتابة التي تشغل ذهن الكاتب منذ اللحظة التي يباشر الدخول فيها إلى عالم الكتابة الواسع المتعدّد الأساليب، فما إن يبدأ الكاتب مزاولة الكتابة والتفكير في طرائقها وخصائصها الفنية والموضوعية، حتى يحضر الأسلوب أمامه بوصفه خلاصة الفعل الكتابي وطابعه النهائي، أو هو، كما تعرّفه كتب اللغة، (الطريق أو الطريقة أوالفن، يقال: سلك أسلوبه أي طريقته، وأخذ في أساليب القول أي في أفانينه منه)، ولا يختلف الأسلوب باختلاف الكتّاب فحسب، بل يختلف باختلاف العصور، فلكلِّ عصر أسلوبه في التعبير عن المشاعر والأفكار بالكتابة، أو التصوير، أو الموسيقى، كما إن لكلِّ فنان أصيل طريقته في جمع الصور والخطوط، والألوان، والأصوات، للتعبير عن المعاني. وربما كان من أشهر تعريفات الأسلوب هو تعريف الفرنسي (جورج لويس لوكلير) المعروف بـ (الكونت بوفون) الذي عدّه معبراً أساسياً عن الإنسان، فقال (الأسلوب هو الإنسان)، ومعنى ذلك أن الأسلوب صورة الإنسان وطريقته التي بها يفكر وبوساطتها يُعبّر، وإذا عرفنا أن بوفون عالم نباتي، عُرف بتنسيق الحدائق، وقد أنتخب عضواً في الأكاديمية الفرنسية عام 1753، تبيّن لنا ما يعنيه بتعريفه للأسلوب، فالإنسان في النهاية، يرسم خصاله الذاتية في أسلوبه ويعلن سجاياه، أو يعبّر بوساطته عن (طريقته الخاصة في رؤية الأشياء) حسب فلوبير، وقد يتعدّى الأسلوب الكتابة وخصائصها إلى المنهج الذي يسلكه الأفراد والجماعات، وذلك أسلوب الحياة، كما ذكر (ديكارت) في القسم الخامس من (مقال في المنهج)، (لما كنت لم أحصل بعد على معرفة بالإنسان كافية للكلام عليه بالأسلوب الذي تكلمت به على غيره)، ولا يتحقق الكاتب إلا بتحقق أسلوبه، فلا كاتب بلا أسلوب خاص يحدّد لونه ومذاقه ويبين طريقته في نظم الكتابة وسبل أدائها نثراً أو شعراً، من هنا كان الفهم الأشمل للأسلوب يصب في (الاستعمال الخاص للغة)، وهو عند حازم القرطاجني (هيئة تحصل عن التأليفات المعنوية)، ويقابل النظم بوصفه (هيئة تحصل عن التأليفات اللفظية). ونجد في تراث التفكير النقدي العربي ما يقابل أفكار بوفون لا سيما ما اصطلح عليه بـ (البلاغة الحقيقية)، (فسياسة البلاغة أشدُّ من البلاغة)، كما يذهب الجاحظ في كتابه (البيان التبيين).
وعن الأسلوب الكتابي يؤكد وليم فوكنر أنه وليد ما ينشغل به الكاتب، فما نكتبه يوجه أساليبنا ويحدّد طرائقنا في التعامل مع التعابير والأفكار، وقد أجاب رداً عن سؤال أحد طلاب جامعة فرجينيا بشأن أسلوب كتابته: (لم أطوّر أسلوبي، أعتقد أن الأسلوب هو إحدى أدوات المهنة، وأعتقد أن أي شخص يقضي وقتاً كثيراً في تطوير أسلوبه أو تتبع أسلوب شخص آخر ليس لديه الكثير ليقوله، هو يعرف ويخشى ذلك، ولذا قد يكتب بطريقة جميلة ورائعة ولكنها فارغة ليس بها شيء، الأمر ليس بهذه الصعوبة، فالقصة التي تحكيها هي التي تفرض أسلوبها، كما أن الأسلوب يتغيّر باستمرار، فما هو جيد اليوم، ربما لن يكون جيداً غداً).