حياة ديفيد هوكني في رواية كاترين كوسيت

ثقافة 2021/07/27
...

 كامل عويد العامري
(هذا الكتاب: رواية، فيها كل الحقائق صحيحة. لكنني اخترعت المشاعر والأفكار والحوارات. إنه حدس واستنتاج أكثر من الاختراع الفعلي: لقد سعيت إلى التماسك وربطت أجزاء العناصر التي يجب أن يجمعها التفكير المنطقي اعتبارا من المعطيات التي وجدتها في العديد من المقالات والسير الذاتية والمقابلات والكتالوجات والمقالات المنشورة عنه وما كتبه ديفيد هوكني. 
لأقدم صورة تمثل رؤيتي لحياته وشخصيته، حتى لو كان هو، وعمله، وكلماته التي ألهمتني. آمل أن يرى الفنان ذلك كإشادة.. لماذا هوكني؟ أنا لم أقابله. من الغريب أن تقضي على حياة شخص حي وتحويلها إلى رواية. لكن هو الذي من أمسك بي. 
ما قرأته عنه سحرني. حريته سحرتني. أردت تحويل مادة وثائقية كانت تترك القارئ في الخارج إلى قصة تتسلط الضوء على رحلته من الداخل من خلال التمسك بالأسئلة الأساسية، تلك التي تربط الحب والخلق والحياة والموتى).. بهذه الكلمة تستهل كاترين دوسيت روايتها التي تتخيل فيها حياة فنان بناءً على سير ذاتية ومقابلات مع الفنان. والتي فازت بجائزة انيس نن لعام 2018، وهي رواية عدها النقاد بأنها تقف في منتصف الطريق بين الرواية والسيرة الذاتية لتقدم صورة حميمة ومتحركة ومأهولة للرسام الإنجليزي الأكثر
شهرة.
ولأنها تعرفت على الرسام من خلال لوحاته، اكتشفت مناظره الطبيعية، وصوره المزدوجة، ولوحاته الملونة، والمنظور المقلوب، ومجموعات المسرح. صار اهتمامها متزايدا بهذا الفنان الذي يبدو أنه يسير في كل الاتجاهات! ونتيجة لذلك، جاءت الكتابة مكثفة ومتسارعة كما لم يحدث من قبل! حاولت الاقتراب منه، من دون أن تلتقي به وهو في الثمانين من عمره، حيث ذكرياته عن الماضي تختلف الآن عما قاله في
السبعينيات.
والحقيقة هناك العديد من أوجه التشابه بينها وبين هوكني، في ما يعني الإيماءة الفنية وحقيقة حياتها التي عاشتها بين أميركا وأوروبا، فهي ليست مقيدة بنوع واحد من التعبير، وهذه الحياة المزدوجة بين قارتين تمنح حرية كبيرة، في العمل كما في الحياة. طريقة حياة سهلت عليها الكتابة، لأنها تفعل ذلك من الداخل. فما وجدته في هذا الرسام، هو حريته، (كان دائما يفعل ما يريد أن يفعله. لم يستسلم أبدًا
لرغبته. 
وعندما لا يرغب في فعل شيء ناجح، يتوقف). في الرواية نكتشف حياته المحطمة وعلاقاته الإنسانية العميقة وغير النمطية. أرادت ترجمة تعطشه للحياة وميله للقاء بالعديد من الناس، ولم يكن ذلك واضحًا، لأنه يتحدث في كتاباته عن عمله، وعن طفولته، ولكن القليل جدًا عن حياته الخاصة، وعن سنوات المرض، وعن حياته العاطفية. مما اضطرت إلى القيام بالكثير من أعمال البناء، مع البيانات الواردة من السيرة الذاتية المكونة من مجلدين لكريستوفر سايمون أو من الإنترنت. 
حاولت إعادة الحياة إلى الشخصيات التي التقى بها. كانت تخشى أن يستاء ديفيد هوكني من الأمر، لأنها دخلت على انفراد، مع أشياء لم يتحدث عنها مطلقًا فتصفها بعد تخمينها بجملة أو
جملتين.
كانت أسرة ديفيد هوكني متواضعة وكان لديه ثلاثة أشقاء وشقيقة، عاش طفولة سعيدة لكنه كان يفتقر إلى الورق للرسم. في البداية رفضت مدرسة برادفورد للفنون قبوله، لكن والدته سمحت له حضور دروس مسائية مجانية. بعد الانتهاء من المدرسة الثانوية، دخل أخيرًا هذه المدرسة حيث كان ضليعًا في التصميم الجرافيكي، وهو الذي أراد أن يتعلم كل شيء: (علم التشريح، المنظور، الرسم، النقش، الرسم الزيتي. 
اكتشف فرانسيس بيكون، ودوبوفيه وبيكاسو وقدم اثنين من لوحاته لمعرض ليدز الفني: كما عرض عليه شراء بورتريه لأبيه بـ 10 جنيهات. علمه المعلم الشاب، ديريك ستافورد)، أن الرسم لم يكن مجرد تقليد، ولكنه عمل دماغي. كان عليك التفكير، والتحرك، وتغيير وجهة نظرك، ورؤية الشيء من عدة
زوايا. 
(واصل دراسته في الكلية الملكية في لندن وبدأ يفرض نفسه في الوقت الذي أطاح فيه الرسام بول جاكسون بولوك، وهو أحد رواد حركة التعبيرية التجريدية. بمونيه. يجب ألا تكون اللوحة مجازية بعد الآن! غير أنه لم يعر اهتماما لذلك. بيعت لوحاته، وهو في سن الرابعة والعشرين، عاش في نيويورك، واكتشف حاناتها، ومطاعمها النباتية، وصبغ شعره باللون الأشقر، واكتسب العديد من الأصدقاء.، وهو يؤكد: «أرسم ما أريد، وعندما أريد، وأين ما أريد).
ديفيد هوكني لم يحدد نفسه بأسلوب معين، بل كان على العكس من ذلك في بحث دائم، وحتى وقت قريب كان يجرب الرسم على
(الآي باد).
إن الموقف المتفائل يخلق دائرة فاضلة تولد النجاح. ومع ذلك، فقد واجه ديفيد هوكني أوقاتًا صعبة للغاية فقد فيها أحباءه أو لأنه أصيب بالصمم قبل الأوان. لقد تأثر بالطبع، لكن تفاؤله كان ينقذه دائمًا. هذه الرواية تركيز انتباه القارئ على هذه الجوانب، ويمكنه أن يجد فيها تشجيعًا رائعًا لوضع ثقل التجارب التي قد تؤثر في منظورها
الصحيح.
إن التوجه لكتابة روايات السيرة الذاتية صار امرا شائعا، تقوده دار غاليمار الفرنسية منذ العام 2017، فقبلها كانت الروائية كامي لورنس أن تناولت حياة الرسام ادغار ديغا في روايتها (الراقصة الصغيرة ذات الأربعة عشر ربيعا) وفيها تتحدث عن تلك الفتاة الفقيرة التي اضطرت إلى أن تكون موديلا، لتعيل نفسها
وأسرتها.