أنا الفكرة وهي أنا

آراء 2021/07/29
...

  كاظم الحسن
 
لا تنفرد السياسة بمقولات الاستبداد (انا الدولة والدولة انا) بل تصل الى الثقافة وتتحول الافكار النسبية الى مطلقة، ويصبح صاحبها مقدسا، لا يقبل الجدل والحوار وتضيق مساحة التفاهم والقواسم المشتركة، حين تتماهى الفكرة والانسان. ويتحول الموضوعي الى شخصي والعكس صحيح. 
ويتوقف التلاقح الفكري والنمو العقلي والتبادل المعرفي، وتكون بدايته الغاء الاخر ونهايته تصفيته جسديا. ويكمل السياسي مشروعه المطلق القائم على الاحادية وتضخيم الانا والتفرد في امتلاك الحقيقة.
إن الافكار التي تتلبس الحقيقة المطلقة وتدعي ان لها رسالة، الى جميع البشر وتتحول الى المقدس، انها بذلك تشرع القتل وسفك الدماء وتؤسس لخلق حروب وصراعات ليست لها نهاية، لأنها تخرج من التاريخ الى عالم متخيل وغير ملموس. ان القرن العشرين كان الاكثر دموية في التاريخ وصبغت صفحاته باللون الاحمر، وتلاشى حلم الانسان باقامة عالم اكثر سعادة ورفاهية وينعم بالامن والاستقرار، ولكنه قد قرع ناقوس الخطر، بعد امتلاك بعض الدول السلاح النووي، فلم يعد فرض الافكار ممكنا ازاء هذا التهديد المرعب، الذي داهم البشرية، وكانت تلك لحظة انفصال الفكرة عن الانسان ونهاية الانسان السوبرمان او الكامل ونهاية المشاريع الكبرى والاحلام الرومانسية، التي قادت البشرية الى جهنم والصراعات والحروب العالمية، التي فتكت بالجنس البشري. لقد اصبح التعايش بين الافكار والاعراق والاديان والمذاهب السياسية، ضرورة لا بديل عنها، واصبح الانسان يعيش كما هو وليس كما يجب او ما تصوره احلامه وطموحاته القاتلة، انه فقد المعاني الكاذبة والامال الوهمية بالتفوق والجبروت، ولكنه ربح نفسه وخسر اجنحته واحلامه التي طالما حلق بها في عوالم اخرى من صنع خياله يحيطها بالحقيقة، والتي طالما تغنى بها ومات من اجلها واحال العالم خرابا وركاما من اجلها. ان الافكار المستبدة تأخذ أشكالا متعددة، فيها الاجتماعي والسياسي والثقافي، ولذلك الاهتمام بجانب واحد دون ايلاء الجوانب الاخرى يخل في ايقاع المنحى العام للمجتمع، لأن صيرورة الاستبداد، تعتاش على ماهو مهيمن في بنية اللاوعي، عبر سنين غائرة في الطفولة، ليس من السهل التخلص من رواسبها والتحرر من اصفادها. ولذلك تولي الشعوب الاوروبية المزيد من الاهتمام لمراحل الطفولة، بعد ما اكتوت بنيران الحروب من قادة ورؤساء عاشوا طفولة معذبة. وهذا جعلهم يسنون قوانين لحماية الاطفال من العنف في جميع صوره، ومنه العنف المنزلي الذي يتسلل الى المجتمع ويصبح ظاهرة عامة، يصعب تفاديها او معالجتها، ما لم تبدأ من الجذور. خطورة الافكار تأتي من رأي صاحبها، الذي ينظر لها كأنها شخصه المنزه من الخطأ.