الاكتئاب النفسي.. مرض العصر

آراء 2021/07/31
...

 مينا مثنى
 
من أكثر الامراض التي تثير حيرتي واهتمامي مرض الاكتئاب.. وقد قرأت عنه الكثير، وكنت اتساءل: لِمَ خلق الله مرض الاكتئاب؟ فهو مناقض للحياة ومناوئ لها ومجهضها من معناها وجمالها ومطفئ لكل انوارها. 
هو أكثر فتكاً من الميكروبات القاتلة يهاجم بشراسة كل خلايا الجسم، فهو ليس مرضاً عقلياً أو نفسياً فقط وانما هو مرض جسدي ينهك الجسد ويؤذيه، يقبض على القلب ويضغط على الصدر ويسد المعدة ويشل الامعاء. 
ويعد الاكتئاب من أكثر الظواهر النفسية انتشاراً، ونستطيع القول إن اي واحد منا قد يتملكه في وقت من الاوقات شعور بالحزن او الضيق، أو أننا نشعر احياناً باضطراب يمنعنا من ممارسة انشطة الحياة المعتادة، وكل هذه العلامات هي في الغالب دلالة على الاكتئاب النفسي، غير أن هناك خطأ شائعا نقع فيه جميعاً، حين نتوقع أن الشخص الذي يعاني من الاكتئاب، لابد أن تبدو عليه علامات الحزن والأسى الشديد بصورة واضحة للجميع، واذا لم يكن الامر كذلك فإن عامة الناس لا يدركون أن الشخص يعاني من الاكتئاب، لكن في الواقع أن مظهر الحزن وحده ليس دليلاً على الاكتئاب، لان الاكتئاب له مظاهر وعلامات أخرى، قد يأتي بصورة ليس فيها أي اكتئاب وانما اعراض جسدية ويحسبها المريض بسبب مرض عضوي، أصاب جسده وهذا النوع من الاكتئاب يسمى (الاكتئاب المقنع). وقد يغرس انيابه في داخل المريض وفي الوقت نفسه يرسم ابتسامة عريضة على وجهه، وبهذا يظهر المكتئب للناس ضاحكاً مبتسماً فلا يخطر على بال احد أنه مكتئب! وهذا النوع من الاكتئاب يسمى (الاكتئاب الباسم).
 
هل يعيش العالم اليوم عصر الاكتئاب؟ 
تساؤل نحاول الاجابة عنه من خلال المعلومات التي تقدمها منظمة الصحة العالمية وعلماء النفس، فقد شهدت الفترة الاخيرة من القرن الواحد والعشرين زيادة هائلة في انتشار مرض الاكتئاب في كل انحاء العالم، حيث يؤثر في أكثر من 300 مليون شخص في العالم، وفي كل عام يموت ما يقارب (800) الف شخص من جراء الانتحار بسبب الاكتئاب، والذي يمثل ثاني سبب رئيس للوفيات بين الفئة العمرية من (15-  30) عاماً، وهذا دليل على أن العالم اليوم يعيش عصر الاكتئاب، ولعل ابلغ تعبير عن هذه الحقيقة هو قول (ميلاني كلاين) احد علماء النفس بأن المعاناة التي تسببت للانسانية من آثار الاكتئاب النفسي تفوق تلك التي نتجت عن بقية الامراض الاخرى. مع وجود اسباب تدفع الى التنبؤ بزيادة اعداد مرضى الاكتئاب مع مرور الوقت في ظل التطورات الحضارية السريعة والبيئة الاجتماعية المتغيرة والصراعات والحروب والاوبئة والامراض التي تسود في اماكن كثيرة من العالم . 
 
أسباب الاكتئاب
بنظرة شاملة على اسباب الاكتئاب تبين لنا أن هناك عوامل حيوية بايولوجية وعوامل نفسية سيكولوجية وعوامل اجتماعية وروحانية ايضاً، وتقول النظريات الطبية إن هناك (5) اسباب للمرض هي: البيئة الخارجية، واسباب كونية، والتسمم، واسباب روحانية . واذا كانت النظريات فد تعددت والاراء قد اختلفت حول السبب المباشر لحالة الاكتئاب التي تنتشر اليوم، فأن هناك حقيقة تظل شبه مؤكدة وهي تداخل الاسباب وتعددها، واكثر من ذلك تفاعلها مع بعضها البعض، حيث يكون من العسير تحديد سبب محدد لكل حالة او الفصل بين اسباب متعددة.
 
اعراض الاكتئاب 
قد يُصنف الاكتئاب على أنه خفيف أو معتدل أو حاد بناء على شدة الأعراض التي تشتمل على: 
- المزاج الاكتئابي. 
- فقدان السرور.
- الارهاق.
- فقدان الثقة بالنفس وتقدير الذات. 
- افكار متكررة عن الموت او تدمير الذات. 
- مشاعر التردد وعدم القدرة على التركيز. 
- التخلف النفسي و الاهتياج (قد يصبح المكتئب اما مشلولاً او شديد النشاط بشكل مقلق)
- اضطرابات النوم. 
- تغير في الشهية و وزن الجسم. 
 
علاج الاكتئاب
في الوقت الحالي توفرت المعلومات بقدر كبير بشأن مرض الاكتئاب على مستوى العالم نتيجة للابحاث والدراسات حول جوانبها المختلفة مما يعطي املا في قرب التوصل الى حل ملائم للسيطرة على انتشار الاكتئاب، والسؤال هنا هو من يقوم بالحل ومواجهة مشكلة الاكتئاب؟ هل هم مرضى الاكتئاب؟ ام الاطباء النفسيون؟ ام مؤسسات المجتمع المختلفة؟ والاجابة هي، أن هناك دورا للفرد، ودورا للطبيب، ودورا للمجتمع في مواجهة مشكلة الاكتئاب.
اما من الناحية العلمية فإن علاج الاكتئاب النفسي في العيادات النفسية يتم عن طريق عدة وسائل وهي:
- العلاج النفسي: الذي يتضمن جلسات علاجية فردية او جماعية ويستخدم فيها الايحاء والمساندة والتدعيم واسلوب التحليل النفسي وغيرها.
- العلاج البيئي: ونعني به ايجاد بيئة ملائمة يتعامل بها المريض بعيداً عن الضغوط والمواقف، كأن ينتقل المريض الى وسط علاجي او مكان للاستشفاء.
- العلاج بالادوية النفسية: وتتضمن استخدام العقاقير المضادة للاكتئاب تحت اشراف الاطباء النفسيين، وهي قائمة طويلة من الادوية ابرزها: 
• الادوية ثلاثية الحلقات tricyclic.
• الادوية رباعية الحلقات tetracyclic.
• مثبطات احادي الامين maoi.
• مجموعة منشطات مادة السيروتونين. 
• اليثيوم. 
 
- اساليب علاجية اخرى: استخدام العلاج الكهربائي الذي يعمل على اعادة تنظيم ايقاع الجهاز العصبي، او استخدام بعض الوسائل مثل التنويم المغناطيسي hypnosis والوخز بالابر acupuncture واستخدام الدواء الخادع placebo، الذي يحقق نتائج في بعض الحالات. 
ولا يقتصر علاج الاكتئاب النفسي على الدواء، الذي يوصف للمريض بواسطة الاطباء في العيادة النفسية، ولكن الخلفية الاسرية والاجتماعية للمريض لها دور مهم في نجاح العلاج، كما ان الامراض النفسية تختلف عن الامراض الاخرى، حيث ان ظروف المريض ومدى مساندته من المحيطين من افراد اسرته واقاربه والرعاية، التي يلقاها في المجتمع لها دور اساسي في مساندته للخروج من ازمته النفسية ونجاح العلاج. وعند التفكير في البحث عن حل لمشكلة الاكتئاب يجب وضع برامج للوقاية تاخذ بنظر الاعتبار الظروف الاسرية والعلاقات الاجتماعية والاعباء والمسؤوليات المطلوبة من الشخص، لأن هذه العوامل لها تأثير مباشر في الحالة النفسية للافراد، كما أن العوامل الهدامة في المجتمع كالفساد والتفكك والظلم الاجتماعي و تدهور الظروف الاقتصادية نتيجة الكوارث والحروب والامراض او التخلف الاقتصادي، كلها عوامل تؤدي الى زيادة حادة في انتشار الاضطرابات النفسية وعلى رأسها الاكتئاب، ويلزم لمواجهة مشكلة الاكتئاب على مستوى المجتمع، ان يتم التعامل مع عوامل الاحباط والعلاقات غير السوية والمشكلات الاسرية والتربوية وكل الظواهر الاجتماعية السلبية ضماناً للوقابة من الاكتئاب.