سرية التحقيق الابتدائي ونشر المحاكمات

آراء 2021/07/31
...

  القاضي كاظم عبد جاسم الزيدي  
 
من المبادئ الدستورية والقانونية ان المتهم بريء حتى تثبت ادانته بمحاكمة عادلة، ومن اهم مقتضيات العدالة حماية المجتمع من الجريمة، والأصل في الاجراءات الجنائية العلانية ،حيث ان القانون يهدف الى تحقيق غاية كبيرة في كل زمان ومكان وهي فكرة العدالة. فالقانون هو الوسيلة لتحقيق العدالة وفي سبيل تحقيقه لها لا يستند الى مجموعة من الضمانات التي عن طريقها يمكن الوصول الى محاكمة عادلة للمتهم وقد نص الدستور العراقي النافذ لعام 2005 على هذا المبدأ ،حيث نصت المادة (19/سابعا ) على ان جلسات المحاكم علنية الا اذا قررت المحكمة جعلها سرية وقد نصت المادة (57) من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 المعدل بان للمتهم وللمدعي بالحق المدني وللمسؤول مدنيا عن فعل المتهم ووكلائهم ان يحضروا اجراءات التحقيق وللقاضي او المحقق ان يمنع أيا منهم من الحضور اذا اقتضى الامر ذلك لأسباب يدونها في المحضر و لا يجوز لغير من تقدم ذكرهم حضور التحقيق الا اذا اذن القاضي بذلك وبذلك يعتبر استثناء لإجراءات التحقيق من العلانية وان سرية الاجراءات الجزائية التي تم ورودها في محاضر التحقيق تنتهي بمجرد احالة الدعوى الى المحاكمة والسبب في ذلك ان الاصل في المحاكمة العلانية وقد نص قانون المطبوعات العراقي رقم (206) لسنة 1968 "لا يجوز ان ينشر في المطبوع الدوري ما من شأنه التأثير في الحكام بصدد الدعاوى التي ينظرون فيها ورأي العضو المخالف في محكمة مؤلفة من هيئة وما من شأنه التأثير في الادعاء العام او المحامين او المحققين او الشهود  او الراي العام في قضية معروضة على القضاء ولا يجوز ان ينشر في المطبوع سير التحقيق في الجرائم ومحاضر الجلسات السرية للمحاكم" ونجد في الكثير من الاحيان قيام وسائل الاعلام بنقل اخبار الى الجمهور عن الجرائم والحوادث الجنائية التي تقع في المجتمع، ولما كانت مرحلة التحقيق الابتدائي تمتاز بان اجراءاتها سرية وكذلك النتائج التي تسفر عنها وان اجراءات التحقيق الابتدائي تستهدف البحث والتحري عن الادلة المتعلقة بوقوع الجريمة ونسبتها الى فاعلها باتباع اساليب فنية وعلمية لجمع الادلة وفحصها وقد اضفى المشرع العراقي الحماية الجزائية لسرية التحقيق الابتدائي بان عاقب في المادة (235) من قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل على النشر بإحدى طرق العلانية امورا من شأنها التأثير في القضاة او غيرهم من الموظفين بالتحقيق او التأثير في الخبراء او المحكمين او الشهود كما شدد العقوبة اذا كان القصد من النشر احداث التأثير المذكور او كانت الاخبار كاذبة كما عاقبت المادة (236) من قانون العقوبات على النشر بإحدى طرق العلانية اخبارا بشأن تحقيق قائم في جناية او جنحة او وثيقة من وثائق التحقيق اذا كانت سلطة التحقيق قد حظرت اذاعة شيء منه وان حق الصحافة في نشر الاخبار عن الجرائم والتحقيقات يجد اساسه في بعض التشريعات الجزائية هذا من جهة ومن جهة اخرى انه لابد من تحقق شروط لاستعمال الحق بصورة صحيحة وعدم الخروج على مقتضياته والتعسف في استعماله، وللصحافة والاعلام وظيفة تؤديها بإعلام الجمهور بما يهمه من اخبار بما في ذلك ما يقع من جرائم وحوادث ويقتصر حق الصحافة في نشر اخبار الجرائم والتحقيقات النهائية و ما يجري في المحاكمات العلنية والعلة في ذلك وجود موازنة بين حقين اولهما حق المجتمع في اعلام جمهوره بما يجري فيه وثانيهما حق المواطن الذي تناوله النشر في عدم المساس بشرفه او اعتباره والتي تفترض براءته الى حين ادانته بحكم قضائي بات، بالإضافة الى المحافظة على اسرار التحقيق الابتدائي ورغم ما تحققه العلانية من مصلحة للعدالة والمتقاضي والجمهور الا ان النقد قد وجه اليها لإضرارها ببعض المصالح وهذه المصالح التي تضر بها العلانية تتلخص في الاساءة الى المتهم وإفشاء الاسرار والتأثير في الاخلاق والآداب العامة وتعليم الاجرام ومع ان الهدف من تقرير العلانية هو تحقيق مصلحة العدالة ومصلحة المتهم وتحقيق المحاكمة العادلة الا ان هذه العلانية قد تسيء الى المتهم خصوصا اذا اتضحت براءته بعد ذلك فليس من الميسور ان يمحى اثر اتهامه من اذهان الناس وقد انتقدت العلانية على انها تعرض الاسرار العائلية للإفشاء خصوصا في قضايا الاحوال الشخصية ومن الاثار الهامة لسرية التحقيق الابتدائي انها تقي المتهم وسلطة التحقيق من تأثير الراي العام خاصة ان نشر اخبار التحقيق قبل بدء المحاكمة غالبا ما يصحبه تهويل واثارة خصوصا اذا كانت الجريمة التي ينشر عنها من الجرائم الهامة التي تشغل الناس وان مباشرة اجراءات التحقيق في سرية من الامور التي تساعد سلطة التحقيق في تأدية مهامها بفاعلية والتوصل الى الحقيقة وتبقى الغاية المثلى من وراء اعتماد سرية التحقيق حماية قرينة البراءة والتي تعد من الضمانات الدستورية لحماية الحرية الشخصية للمتهم حتى تثبت الادانة بمحاكمة عادلة .