الغرق في الآخرين

آراء 2021/07/31
...

 رعد أطياف
 
تحوّل الفيسبوك إلى ملاذ آمن لكثير ممّن خسروا رغباتهم في الواقع الفعلي؛ هؤلاء الحالمون بشخصيات ليست شخصياتهم الحقيقية. باستثناء توجهاتهم الاخلاقية فهي تظهر بشكلٍ واضح وحقيقي. فالأشخاص العدوانيون والمتنمّرون يترجمون، على الأرجح، شخصيتاهم الحقيقية. والغريب إنك حينما تلتقي بهم في الواقع الفعلي ستكتشف مدى الفرق الهائل بين شخصياتهم «الفيسبوكية» وبين ما تراه في العيان.
فما حرمهم إيّاه المجتمع يظهر جليّاً في الفيسبوك نظراً لقوة الإغراء التي تشكلها هذه المواقع لإظهار سمومنا النفسية. وبدافع من الحرمان وتصفية الحساب من المجتمع يقوم البعض من روّاد هذه المواقع بعملية مسخ جديدة لشخصيته الفعلية وينصهر مع جمهور الفيسبوك المتقلّب. المهم في هذا كله أن يحظى برضا أغلبية هذا الجمهور حتى لو على حساب تغيير جلده في كل مرة. أكثر ما يثير الدهشة هو تحول الكثير ممّن أعرفهم في الفضاء الرقمي إلى أدوات بيد جمهور الفيسبوك؛ حتى أن البعض منهم أضحى أكثر عدائية من السابق ليثبت للآخرين أنه يشبههم!.
 إنها محاولة لإثارة إعجاب الآخرين بأيّ ثمنٍ كان، حتّى لو كان على حساب الظهور بشخصيات مزيّفة لا تمثّل واقعها على الإطلاق. استغرب على من ينشغل في الدفاع عن وجهات نظره، ويقع ضحية رثاء الذات. وفي بعض الأحيان يعمل جاهداً في إقناع متابعيه بأنه على غير ما يتصوروه. أكثر من ذلك، يسعى جاهداً، وبمزيد من العدوانية، أن يبرهن لهم أنه نسخة 
منهم طبق الأصل ليحظى برضاهم لتطمئن نفسه!. 
لا ستراتيجية له سوى بعض التكتيكات التي تكسب ود الآخرين. إنه مسكون بذلك الخوف الذي يسببه سخط المتابعين. وبعد الخروج من هذا العالم الرقمي، سيمشي في الشوارع والأسواق، وسوف يكتشف أن هذه التداعيات التي تستعبده في هذا العالم الرقمي لا وجود لها في الواقع، وإن وجدت فآثارها ضئيلة للغاية. وهو يعلم تمام العلم بهذه الحقيقة، لكنّه يعوّض ما خسره في الواقع 
الفعلي حتى لو كلّف الأمر فقدان شخصيته الحقيقية. 
 لقد تخلّى الكثير من تفرّدهم الخاص ليتحولوا إلى نسخة مشوهة من الغير، ليس لشيء سوى إقناعهم ومداعبة وجدانهم الشعبوي بأنه «يهتدي بهداهم». هذا المد الشعبوي يشبه الاعتلال الجسدي، وما يدعو للقلق هو غياب المصلّ المضاد لهذا الاعتلال، إذ بين الحين والآخر تفتك عدواه بإحدى الأيقونات (النسخة الأصلية) ويتنازل عن فرادته الحقّة ليتحول إلى شخص آخر لا يشبهه، ويخسر ثلاثة أرباع روحه، ويغرق في الآخرين.