صراع بين جيلين مختلفين وغياب لغة الحوار

اسرة ومجتمع 2021/07/31
...

  بغداد: قاسم موزان
كثير من الآباء يشكون من تصرفات وتمرد ابنائهم على القيم النبيلة السائدة، التي يجب احترامها بوصفها دعامة الشخصية المتزنة، وفي الوقت ذاته يدافع الابناء عن مواقفهم على اساس متغيرات واشتراطات الزمن الراهن، وهنا تخلق فجوة عميقة من التوتر والصراع بينهما، تصل الى درجة انقطاع الحوار لبقاء الاباء على ارائهم والابناء على سلوكهم المتمرد وتحصل القطيعة، بهذا الشأن حاورت صفحة «اسرة ومجتمع» عددا من المختصين .
الى ذلك قالت د. جوان بختيار بهاء الدين من جامعة السليمانية، الوقت الحاضر يشهد المجتمع بأكمله حالة عدم توازن في كل العلاقات الاجتماعية ومنها العلاقة بين الابناء والاباء، التي تشهد حالة من فقدان التوازن ودرجة من الاختلال في مقوماتها الاساسية، على مستوى نسبة كبيرة في مجتمع الاجيال الجديدة، اجيال نشأت في مجتمع ازمة.. والأدق ازمات متتالية من حروب وصراعات وازمات اقتصادية، وتصاحبها حركة انفتاح كبيرة على العالم الخارجي ودخول عناصر معنوية ومادية جديدة للمجتمع، خلقت نوعا من الاغتراب الداخلي بين ما هو مطلوب منه وبين ما يراه ويجذبه. وتابعت بهاء الدين، يعود هذا الاختلال والتوتر الى نشوء فجوة بين الابناء والاباء (فجوة اختلاف جيلين) الاختلاف بين الاجيال وفقدان لغة الحوار والتفهم لمتطلبات الجيل الجديد والتغييرات السريعة المتكررة، هي السبب الرئيس، إضافة لطبيعة التربية ومدى الاهتمام بمتطلبات الابناء وفهمها والمتابعة ومنح الوقت وخلق علاقة افقية، تتسم بالفهم والتقبل وغرز قيم اصيلة منذ الصغر. ومن اسباب الفجوة المتوترة عدم محاولة الآباء من التقرب من الأبناء والعكس صحيح بعد الابناء من الاباء والقسوة والتزمت في اسلوب التربية.
 
ثقافة تربوية
واكد أ. د. نجاح هادي كبة المختص في العلوم التربوية والنفسية: أن العلاقة بين الآباء والابناء علاقة حب واحترام وتعاون لبناء الاسرة نواة المجتمع، ولكي يسود التفاهم بين أفراد الاسرة ان يتجاوز الآباء التزمت في فرض ثقافتهم التربوية على ثقافة الابناء، فمن المعلوم ان لكل جيل ثقافته التربوية وقد تتفق مع الجيل التالي، او قد تختلف معه ولا يمكن الوصول الى ثقافة تربوية موحدة بين جيلين لاختلاف العوامل المحرّكة للثقافة بين الجيلين، سواء كانت هذه العوامل اجتماعية أو سياسية أو اقتصادية، كما لا يمكن ان يكون انقطاع بين ثقافتين تربويتين بين جيل وآخر. واضاف كبة، ويبقى الحوار بين الآباء والابناء هو الفيصل لبناء ثقافة تربوية ملتزمة.
 
قيمة الابوة
أوضح الكاتب والناقد علي سعدون أن توتر العلاقات الى الخراب الثقافي يأخذ بالمجتمع إلى حالة من حالات التردي العام، لا اعني هنا الثقافة بوجهها المعرفي، إنما بوصفها العادات والتقاليد والأزياء والصورة الجمعية للمجتمع بشكل عام، وهي صورتها الحقيقية، التي تتسع هنا لتمثل الحياة ببعدها الانساني.. ويعمل ذلك على إرباك العلاقة من خلال الانحطاط، الذي يعيشه الأبناء ويفقدون بسببه الإحساس العميق بقيمة الأبوة التي تكاد تكون مقدسة، بل هي مقدسة بالفعل في وجداننا وموروثنا الاجتماعي والثقافي. ويعتقد سعدون ان الثقافة الرصينة والمستقرة إذا ما أتيح لها ان تشيع وتسود بوسعها أن تجعل من تلك العلاقة سامية وفاعلة ونبيلة أيضا.
 
استجابة
اشارت مدير تحرير مجلة (مجلتي) وثقافة وأدب الأطفال د. ضحى عبد الجبار قد يرجع التوتر بينهم إلى أنّ الأبناء قد يرتكبون بعض الأخطاء، ولكن الآباء لا يحاولون فهم تلك الأخطاء ولا كيفية حلّها بأسلوب التفاهم والتعاطف مع أبنائهم ويعدّونها، أخطاء صعبة جداً ولا يمكنهم تجاوزها وتصحيحها معهم مما يؤدي إلى حدوث الخلافات الكبيرة معهم وعمل شق في علاقاتهم. وهناك أيضاً رغبة الوالدين في أن يروا أبناءهم يحققون كل ما يصبون إليه منهم، حتى لو كان لا رغبة للأبناء فيه، وهذا بدوره سيكون أحد أسباب التوتر، لأنه سيجعل الأب ينظر إلى ابنه على أنه فاشل ولم يستطع تحقيق ما أراده هو منه. وتابعت عبدالجبار، أما بالنسبة للأطفال وعلاقتهم مع آبائهم فيمكن أن 
نحدّدها بعدة أنواع، فهناك العلاقات التي يشعر من خلالها الطفل بأنه يستطيع أن يعتمد على أبويه في كل شيء وإنَّ طلباته مجابة وأنهما يدعمانه في أي وقت، وعلاقة أخرى يكون فيها الطفل غير مدعوم من قبل والديه لدرجة إنّه لا يمكنه 
اللجوء إليهما في ما يريده.
 
وشائج
يرى الكاتب عباس الصباغ أن تربية الابناء والفروق الحاصلة بين جيل الآباء وجيل الأبناء وعدم التشابه الزمنكاني بينهما، ويتبعهما اختلاف طرائق التربية بين الجيلين وحدوث فجوة معينة في ذلك، وهذا شيء متعارف عليه فالآباء يختلفون نوعا ما عن الابناء، ومن منتصف القرن الماضي والى الان مرورا بالعقدين اللاحقين لمطلع الالفية الثالثة، بدأت الفجوة بين جيل الاباء وجيل الابناء صار الاب في واد والأبناء في واد اخر، كأن الجميع اولاد علَّة ولا يجمعهم سوى القرابة وصلة الرحم، فتغيرت القيم والمثل وحتى الاعراف المتوارثة ومنظومة الوشائج القرابية، وازدادت الفجوة خاصة بعد حدوث الثورة المعلوماتية والبرامجية والاتصالية/ التواصلية واصبح العالم كله عبارة عن قرية صغيرة ولكن في المقابل اصبح البيت الواحد عبارة عن كون فسيح مترامي الأطراف، لا يكاد يجمع المنضوين تحت سقفه برباط فكري واحد او تتواشج رؤى الاباء والابناء.