بين العرف العشائري والحكم الشرعي

آراء 2021/07/31
...

 حسن عودة الماجدي
قال الله تبارك وتعالى في محكم كتابه المجيد: ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ  إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)) الحجرات (13).
 
إذن، يتبيّن لنا أنّ الله جل جلاله هو من صنّف البشر الى شعوب وقبائل مختلفة ومتنوعة بالملامح والّلغات والتّقاليد التي تتحكم بها المقاربة ومقومات النّسب، ليعرف كل انسان بسماته وخصائصه المميزة له , لا لكي يتفاخر ويتفاضل على الآخرين, إذ ليس لجنس على آخر أي تفضيل وتفوّق, بل إن التفوّق والتفضيل هو التّقرب الى الله تعالى , فقد قال سبحانه وتعالى: ((حَتَّىٰ إِذَا ادَّارَكُوا فِيهَا جَمِيعًا قَالَتْ أُخْرَاهُمْ لِأُولَاهُمْ رَبَّنَا هَٰؤُلَاءِ أَضَلُّونَا فَآتِهِمْ عَذَابًا ضِعْفًا مِّنَ النَّارِ قَالَ لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَٰكِن لَّا تَعْلَمُونَ )). الاعراف (38).
إذن فالامساك بالنّص الاعجازي هو الاطروحه المثلى لأبناء البشر ومصدر للقوة غير المتناهية في الراهن المنظور والمطلق اللاّ نهائي، وفي هذا الصدد أود أن ألفت نظر المتلقي الكريم بالاطراء الذي يجسد وحدة الموضوع بالكيفية التي يتم من خلالها اختيار شيوخ العشائر, أنّ الحقيقة تقول إن الاختيار يتم  على معيار التّوريث البدوي المتغطرس القبلي المتفاخر دائما بالعشيرة وشيخ النزعة التعصبية, لا بالشريعة الاسلامية ومن سياقها أو التقوى عند الانسان التي لا تجد متعهداً يتعهد باحتضانها تعهداً واثقاً, كالدين مثلاً, لانه أقوى محركات نزعة الخير في داخل الانسان ومفجرها اعمالاً صالحة في الخارج , لذلك تدعو الضرورة الى مراقبة الرئيس أو شيخ العشيرة , هل هو مع ما يرضي الخالق جلت قدرته, وإلّا ((فَٱتَّبَعُوٓاْ أَمْرَ فِرْعَوْنَ وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ )) هود (97 - 98).
الجدير بالمفارقة بين العرف والشريعة, أن الأول يطبق بقوة وانّ قراراته فورية وقطعية وغير خاضعه للطعن والتمييز وإن كان في ذلك معصية الله تعالى، ومع هذا التباين بينه وبين الشريعة , فإنه لا يخلو من الايجابيات بالمرّة، إذ ينطوي على حسنات كثيرة أهمها فض النزاعات العشائرية والتحلي بالخصال الحميدة , كالكرم والشجاعة والوفاء والنخوة وهذا لا يجدي نفعاً ما لم يكن في قالب الشريعة السمحاء، ففي الحديث الشريف للامام السجاد (ع) قال: من أراد عزّاً بلا عشيرة وهيبة بلا سلطان وغنىً بلا مال فليخرج من ذلّ معصية الله سبحانه إلى عزّ طاعته، فاذا اجتمع الخصوم عند الله سبحانه وتعالى يوم القيامة، لا ينفع المذنب أن يقول أمرني الرئيس أو شيخ العشيرة بكذا , فإنه يرمى ومن امره في جهنم ويكون المصير مع المشركين الذين اعتذروا ((أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِن قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّن بَعْدِهِمْ  أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ)) الاعراف (173). 
من هذا قد حذر الأئمة من قبل من تولى رئاسة مجموعة من الناس مهما كانت قليلة، من أن يطول وقوفهم يوم الحساب ويسألون عن كل صغيرة وكبيرة , وقد زاد في ذلك التحذير الإمام جعفر الصادق (ع) قال: إن ممن لا يشم ريح الجنة من تولى عرافة قوم أي رئاستهم, لذلك فإن السلف الصالح يتهرب من الزعامات ورعاً واحتياطاً لدينهم، وفراراً من الوقوع في  مزالق الباطل، فمن يتبوأ مثل هذه المقاعد فليضاعف الحذر أمام الله تعالى وليكن على معرفة تامة بأحكام الشريعة كي لا يقع في مخالفتها , وفضلاً عمّا سبق، على الرئيس، أو شيخ العشيرة، أن ينفرد عن غيره فرادة الخير بالبديهية الصالحة لصنع القرار الذي يجسد طمر الفتنة قبل وقوع الحيف، وقبول العذر للمعتذر بالذنب والمنصف كما ينبغي لتشخيص المعضلة وحلها وفقاً للشريعة والممكن المرضي .