آفاق المسرح وجائحة كورونا

ثقافة 2021/08/01
...

  د . سعد عزيز عبد الصاحب
 
يتأسس العرض المسرحي على حدود ثلاثة لا يمكن ان يتمظهر الا بها وهي النص والممثل والجمهور، مما يعطي للعملية المسرحية شرطا تلازميا سسيوـ ثقافيا أصيلا وعندما ضربت جائحة كورونا العالم تأثر هذا النوع من الفنون وغاب قسرا الحد الثالث وهو الجمهور وتوارى مرغما خلف حجب التواصل الافتراضي وغرفه السرية مما عطل من عملية التواصل التلقائية بين العرض والمتلقي واصيب بالشلل التام دور الجمهور بوصفه متلقٍ الخطاب ورسالته المعرفية والجمالية ومؤولها وأهم عنصر من العناصر الثلاثة آنفة الذكر، فذهب المسرحيون الاوربيون مثلا ـ لاستمرار الحياة المسرحية ـ لاحياء اشكال مسرحية قديمة وغابرة وممارسات طقسية سالفة لادامة حيوية الممثل والمتلقي عندهم والاسهام في سيرورة مستمرة للعرض المسرحي فأعادوا انتاج مسرح الشرفة ومسرح البيت ومسرح الشارع، وهي اشكال تخرج خارج افق وحضور معمار العلبة الايطالية التقليدي المغلق لما فيها من اسباب عزل تقنية للمتلقي وتباعد اجتماعي تمليه انشائية المكان في هذه المسارح.. فماذا فعلنا نحن من اجل استمرار الفعل المسرحي في ظل الجائحة؟ وماذا هيأنا من اشكال مسرحية يمكن ان نتواصل من خلالها مع المتلقي آخذين بنظر الاعتبار شروط الصحة والسلامة العامة؟ 
حقيقة لم يفعل المسرحيون في بلادنا سوى انتظار ما تجود عليه بهم خلية الازمة من اشتراطات بإيقاف التجمعات في الاحتفالات والمهرجانات من دون التكيف مع الجائحة، والأنكى من ذلك حين ذهبت خلية الازمة بإلغاء عديد الاحتفالات والانشطة المسرحية وتأجيلها من دون الرجوع الى المسرحيين واستشارتهم او ايجاد حلول مؤقتة يجد فيها العرض المسرحي والجمهور متنفسه وفضاءه، فذهب مسرحيونا مسارعين الى شبكة التواصل الاجتماعي لبث عروض مصورة ومهرجانات (اون لاين) غاب عنها المتلقي الحي بشحمه ولحمه وحضوره الفاعل إلا من تعليقات واشارات إعجاب مبتسرة تكتب على شاشة تفاعلية معزولة، ينقطع اثناءها في أغلب الأحيان العرض المسرحي والتواصل معه بسبب رداءة شبكة الانترنت او انقطاع التيار الكهربائي في مشكلة مزمنة وعامة تعاني منها بلادنا، وفقد بذلك العرض المسرحي تلك الحميمية والحضور الدافئ لتواجد المتلقي وتواصليته المباشرة مع العرض وتحول التصفيق والضحك والبكاء والتنهد من الحالة المباشرة الحية في التعاطي مع العرض الى حالة انطوائية وانعزالية بالنسبة للمتلقي اشبه بالمريض النفسي الراقد في ردهة المرضى وهو يحاور ذاته، ولم نستفد نحن المسرحيين من اشكال مسرحية عديدة تتيحها المسارح المفتوحة على وفق اشتراطات التباعد الاجتماعي والتقيد بشروط السلامة الصحية المعروفة وتقنين عدد المشاهدين الداخلين الى العرض المسرحي واعطاء جرعات من التوعية والسلامة ما قبل الشروع بالعرض من قبل المخرج او مدير المسرح في خطاب مباشر مع الجمهور بأهمية الالتزام بشروط السلامة وتفعيل الاعلانات المسرحية (الفولدرات) بشروط الوقاية من الجائحة بأن ندخل مثلا الكمامة او قناني التعقيم او ابر اللقاح في شكل اعلاننا المسرحي للعرض، مما يعطي ذلك اضافة للوظيفة الصحية وظيفة تاريخية وتوثيقا للجائحة في ذاكرتنا المسرحية ودور المسرحيين في توعية المجتمع منها.. علينا العمل مجتمعين بكل ما سلف وإلا فإن العملية المسرحية بوصفها ظاهرة ذاهبة برمتها الى الاندثار والتواري خلف تكاسل المسرحيين ولا اباليتهم واهمال الدولة ومؤسساتها الثقافية للحقل المسرحي وجمهوره.