قضايا الهوية في السينما العراقيَّة.. رؤية مصريَّة

ثقافة 2021/08/02
...

   حجاج سلامة 
 
وبالطبع فإن ذلك ينطبق على العراق، وهو ما جعل صناع السينما العراقية يعملون على بث روح الأمل لدى المشاهد، وكان اختيارهم الانحياز للشعب وقضاياه. 
وعملت السينما العراقية على تأصيل الهوية الوطنية، والانتماء للبيئة المحلية في مواجهة ظاهرة الانفتاح والعولمة والاغتراب عن الهوية، وصياغة ذلك في بناء فكري ودرامي يُعبر عن القضايا الفكرية والإنسانية المتعلقة بالهوية العراقية. 
وقد لفت اهتمام السينما العربية بقضايا الهوية أنظار الباحثين العرب.. وفي ذلك الإطار كانت السينما العراقية وانشغالها بقضية الهوية الوطنية، عنوان دراسة اكاديمية نوقشت في المؤتمر السنوي العلمي الأخير لكلية الفنون الجميلة بجامعة الأقصر المصرية. 
الدراسة التي تقدمت بها للمؤتمر الباحثة والأكاديمية مرام محمود ثابت، أكدت أن السينما العراقية بلغت بسبعينيات القرن الماضي ذروة مجدها.. إذ أنتج مخرجون كمحمد شكري جميل وقاسم حول، وفيصل الياسري، وجعفر علي، أفلاما مهمة بقيت علامات فارقة في المشهد السينمائي العراقي، وأنه برغم تأثر السينما العراقية بالأوضاع السياسية التي يعيشها العراق اليوم، إلا أنها بدأت مرحلة جديدة واعدة بفضل جيل جديد من شباب السينمائيين العراقيين الموهوبين في العراق أو بلاد المهجر، والذين فرضوا حضورهم في المشهد السينمائي، وشاركوا بالمهرجانات الدولية رغم صعوبات نقص التمويل، وغياب بنية تحتية مناسبة وتراجع الدعم الحكومي. 
وبحسب الدراسة فبعد عام 2003 حصلت تحولات مهمة لصالح الإنتاج السينمائي العراقي، إذ وصل عدد الأفلام المنتجة الروائية والوثائقية إلى ما يفوق 300 فيلم حتى عام 2013 – طبقا لإحصاءات دائرة السينما والمسرح - وفي الجانب الآخر المتعلق بالناحية الجمالية وسبل بناء الخطاب الفني للفيلم، أكدت الدراسة على أن ما قدمه المخرجون الشباب الجدد الذين ظهروا في هذه الفترة وضع الإنتاج السينمائي العراقي على المسار السليم، وأبرز ما تحمله تجارب هؤلاء أنهم افترقوا عن الأجيال التي سبقتهم قبل 2003 في مسائل تدخل في صلب الوعي بجوهر الفن السينمائي، خاصة وأن معظمهم كانوا يعيشون في أوروبا وهناك تلقوا تعليما أكاديميا في الفن السينمائي، مثل محمد الدراجي وعدي رشيد ومهند حيّال، وشوكت أمين كوركي وهِنَر سليم، وهذا ما منحهم فرصة أن يعوا أسرار العملية الفنية بالشكل الذي لم يتوفر لغالبية من سبقهم. 
وكما تقول الباحثة والأكاديمية المصرية، مرام محمود ثابت، فإن ما يحسب للمخرجين العراقيين الشباب بعد عام 2003 أنهم بدؤوا بالاعتماد على أنفسهم في البحث عن جهات تمول مشاريعهم من دون أن يتكئوا على الدولة، فطرقوا أبواب الجهات المانحة الدولية واستطاعوا أن يكسبوا ثقة العديد منها، وقدموا أفلاما حظيت باهتمام وتقدير النقاد، شاركت في مهرجانات دولية ونالت جوائز ذات قيمة، مثل فيلم «ابن بابل» للمخرج محمد الدراجي، إذ نال 32 جائزة وشارك في 100 مهرجان دولي وإقليمي، وعرض في أكثر من 25 بلدا. 
ومن هنا فقد صنع الجيل السينمائي الجديد في العراق، أفلاماً تهدف لإحداث تغيير في وعي المتلقي، خاصة وأن مجمل أفلامهم كانت تتصدى للواقع العراقي الراهن ولا تهرب منه إلى التاريخ البعيد، فكان اهتمامهم منصباً على تفكيك الشخصية العراقية بكل ما تحمله من تراكمات قهرية والتباسات في وعيها نتيجة الحروب التي توالت عليها، وما يعصف بها من عنف وإرهاب سواء من قبل السلطات المتعاقبة أو الجماعات الدينية المتشددة، ويمكن ملاحظة هذه الثيمات في معظم أفلامهم، حتى أنهم لم يترددوا في أن يشتبك أسلوب الفيلم الروائي مع الوثائقي في لحظة الخلق الفني، لأنهم يجدون في قصص الواقع ما يفوق الخيال الروائي كما عبر عن ذلك المخرج محمد الدراجي، ومن هنا يمكن تفسير عدم اعتماد الكثير منهم على ممثلين محترفين في تجسيد شخصيات أفلامهم، بل استعانوا بأناس عاديين سعيا منهم أن يتعاملوا بأمانة مع الواقع. 
ولفتت الدراسة إلى أن أهمية قضية الهوية في السينما تظهر باعتبارها إحدى الإشكاليات الملحة للتعبير عن أصالة الشعوب، وعمق مساهمتهم في الحضارة الإنسانية، إلا أن الإنسان الذي يفقد شعوره بالانتماء يفقد شعوره بالهوية، و(الهويات المهددة بالفناء هي الهوية المنعزلة) التي لا تشارك في حاضر العالم. 
وقد انتهت الدراسة بالتأكيد على أن الاهتمام بمحلية العمل السينمائي وارتباطه بهويته؛ داعما للتميز والنجاح على المستوى المحلي والعالمي. 
وإن للعناصر البصرية دورا تشكيليا مهما في ترجمة القضايا الفكرية والدرامية وتأكيد المعاني الإنسانية التي يطرحها الفيلم ونقل صورة للمشاهد تعبر عن رؤية صانع الفيلم.  
بجانب أن للتغيرات السياسية دوراً مهماً في حثّ المخرجين لتقديم أفلام تعبر عن رؤيتهم للأحداث السياسية.  
وأن السينمائيين الشباب في العراق سعوا إلى تغيير فكرة أن الدولة هي الداعم للإنتاج السينمائي، وانفتحوا على الجهات الداعمة الأجنبية لغرض تمويل مشاريعهم السينمائية. 
وأكدت كذلك على قدرة السرد البصري للأفلام على التأثير في الجمهور وجدانياً ونفسياً، والتعبير عن معاناة الشعوب بصدق، ونقل وتوثيق الأحداث السياسية والاجتماعية.  
كما أبرزت تمكن المخرجين الشباب من التفكير بشكل إيجابي ونجاحهم باستخدام اللغة السينمائية، ومخاطبة الغرب بلغته التي يفهمها معبراً عن قضاياه ومعاناة شعوبهم، ورصد نتائج تدخل الغرب في العراق، مندداً بالجرائم التي ارتكبتها القوات الأميركية في حق الشعب العراقي، مما أكسب هذه السينما تعاطفاً وتقديراً ودعماً عالمياً؛ بل وحصد جوائز عالمية من مهرجانات الدولية. 
كما أكدت الدراسة على قدرة اللغة البصرية للسينما على التعبير عن قضايا الإنسانية للشعوب وتقديمها في قالب فكري ودرامي.. وأن السينما ذاكرة جمعية للأمم والشعوب، لذا تسعى إلى إبراز هوية الأمة والحفاظ على قيمها التراثية الأصيلة.