معرض بشري للكتاب في القاهرة

ثقافة 2021/08/03
...

ياسين النصير
 
 لم تعد زيارة معرض الكتاب الدولي في القاهرة، مجرد تجوالا في معرض للكتب، بل هي الحياة المتدفقة عبر ثلاث بوابات واربع قاعات، كل قاعة تحتوي اكثر من مئة مكتبة، والزمن الذي يغطي هذه السياحة بين القاعات واروقتها ومطاعمها يمتد ما بين العاشرة صباحا والعاشرة مساءً، كنت هناك خلال سبعة أيام من أيامه العشرة، وهذا يعني انني وقفت على ما استطيع رؤيته والدوران الفكري حوله، القاعة الرابعة للمكتبات الاسلامية والقاعة الثالثة للمكتبات العربية، والقاعتان الأولى والثانية لمكتبات مصر، التجوال في القاعات الأربع تريك وجوها وتراك الوجوه، ولكن رؤية خاصة من اصحاب المكتبات تدعوك خصيصا لترى محتويات ما يعرضون. وتشعر أن الثقافة بدأت تأخذ دورا في تركيبة المجتمع من خلال حضورها الملفت وتأثيرها الكبير، في إطار هذا التصور لدور الثقافة في هذه المرحلة، وحتى من دون معرفة مسبقة، استشعرت فقر عروض بعض المكتابات الفكرية إذ كان همها ان تعرض كتبا عن العنف، بينما بقية المكتبات الضاجة بالحركة، تضع في حسابها أنها تقدم ما يمكن أن يغذي تطور المجتمع. لذلك تجد نفسك في زحمة الاطلاع على ما يعرض، سأختصر هذه الثيمة بالقول إن الجمهور المصري وهو الغالبية من المشاهدين لايقصد إلا نادرا مكتبات عربية تعرض ثقافة مختلفة عن الثقافة والانتاج الثقافي المصري، يكشف هذا الوضع ثلاث قضايا مهمة، القضية الأولى ان القارئ المصري يفضل ان يقرأ نتاج أدبائه، وانه مشدود لما تقدمه المكتبة المصرية له من جديد او قديم وقد أعيدت طباعته، ومن خلال الرؤية الشاملة تجد ان معارض كتب الأطفال كثيرة قد تقترب من عروض الكتب المصرية الاخرى. القضية الثانية، وهي ندرة الجمهور المصري الذي يشاهد معروضات الكتب العربية، الا تلك الشريحة المثقفة التي تهتم بالثقافة الخاصة بأديب او ثقافة بلد، وترسخ هذه العادة ظاهرة الاكتفاء الذاتي للثقافة المصرية، بحيث لا تجد الا نادرا من يعرف انتاج اديب عربي غير الذين اشتهروا في مصر. القضية الثالثة، وقد اختصت بها القاعة رقم 4 وهي الخاصة بالثقافة الاسلامية وكتبها، ومن يشاهد علاقة الجمهور بمكتبات هذه القاعة يجدها علاقة ميكانيكية، بمعنى انه لا يبحث مثلنا عن كتب جديدة، بل يبحث عن مكتبات فيها الكتب القديمة والكتب الجديدة التي تنحو منحى الكتب القديمة، فثمة اختصاص داخل المكتبة الاسلامية، وهذه المرة يتعلق الاختصاص بنوع التوجه الفكري وبانتاج كتاب معينين. مما يعني ان الثقافة الاسلامية ضمنت وجودها بفعل قوى متراكمة من الخبرة سواء لدى الجمهور الذي يعيد تصوره نفسه في كل معرض او المكتبات التي تؤكد انتاجها القديم بأثواب جديدة.
بقيت ظاهرة مكتبات القاعة 3 وهي الخاصة بالمكتبات العربية، وفيها تجد تنوعا من الجمهور فهي القاعة التي تعرض كتبا فكرية وادبية وحداثية ودينية ومترجمات مختلفة؛ ولذا فهي صورة بانورامية لمعروضات هذا العام، وتجد جمهورها المتغير صورة اخرى للتنوع الثقافي.
كنت في القاعات الثلاث، ووجدت نفسي في كل جولة امام ظاهرة جديد وهي حركة وتنوع الكتب المعروضة، فحركة الفكر وتنوع مصادره تفرض على اصحاب المكتبات ان يجددوا في معروضاتهم اليومية، وتشعر ذلك من خلال ما يقدمه صاحب المكتبة من شروحات جانبية عن الكتب الجديدة. بينما لا تجد تجديدا في مكتبات القاعة الرابعة الاسلامية.