جائزة الإبداع.. ما السبيل لإرضاء الجميع

ثقافة 2021/08/04
...

 البصرة: صفاء ذياب
 
مع كل إعلان لجائزة الإبداع العراقية، تشتعل صفحات المثقفين العراقيين على الفيسبوك بين داعم لها ومعترض على التخصصات التي أعلنتها أو على فقرات في شروط الاشتراك فيها، وربما غالباً ما تكون الاعتراضات على الفروع غير الموجودة، أو على اللجان التي يتم اختيارها من قبل وزارة الثقافة، أو الأسماء الفائزة فيما بعد.
ردود الأفعال هذه غالباً ما ترجع أسباب أي خلل إلى إدارة وزارة الثقافة، وعدم اختيار من هم أهل لهذه الجائزة، غير أن جائزة هذا العام، على الرغم من إعلان انطلاقها فحسب، كانت الاعتراضات عليها سابقة لكل فعل ثقافي سيأتي لاحقاً، ومن أهم هذه الاعتراضات عدم وجود فرع للشعر أو للقصة القصيرة أو للنقد عموماً، وهو ما دافع عنه الدكتور عارف الساعدي، مدير عام دار الشؤون الثقافية، قائلاً: آخر ميزانية لجائزة الإبداع كانت 327 مليون دينار عراقي، في حين كانت ميزانية الجائزة لهذه السنة 120 مليون دينار حسب موازنة 2021، مما يستلزم أن يعاد النظر بتوزيع الجائزة على الأجناس الإبداعية، وبما أن الشعر يحضر في كل مرة فإننا نستأذنه هو والقصة القصيرة هذه المرة ليدخل أدب الطفل والرسم والتأليف الموسيقي والترجمة والفيلم السينمائي والرواية، كما نود أن نوضح أن الوزارة لا تفضل جنساً ابداعياً على آخر وليس من مصلحتها ذلك قطعاً، بل تتمنى أن تشمل الجائزة جميع الفنون والآداب، ولكنها محكومة بالتخصيص المالي للجائزة.
غير أن هذا التعقيب لم يقف حائلاً من دون جدل المثقفين العراقيين الذين حاولنا أن نبحث عن حلول جذرية معهم لهذه الجائزة:
 
 موضوعيَّة الجائزة
الشاعر حسين المخزومي يعتقد أن أهمية الجوائز الإبداعية يكمن في تنظيمها على مستوى عالٍ، وذلك بإيضاح التفاصيل التي تخص الجائزة جميعاً، والمشاركين بها والالتزام بالشروط في أثناء وبعد إعلان الجائزة. وتكمن أهميتها أيضاً في موضوعيتها وشفافيتها من خلال الإعلان عن اللجنة التي ستُحكِّم كلَّ فرع من فروع الجائزة ليتسنى للمشاركين معرفة من سيُقيِّم نتاجهم الأدبي من دون الأخذ بالمحسوبيات والوساطات، ولا يتم الكشف عن أسماء المشاركين بطريقة مقصودة أو غير مقصودة.
وما يتمناه المخزومي على جائزة الإبداع التي أطلقتها وزارة الثقافة العراقية أن تأخذ هذا بعين الاعتبار فضلاً عن القيمة المادية للجائزة التي يجب أن تكون محفّزة للمشاركة واختيار أسماء اللجان وفقاً لتجربتهم وحياديتهم ومعرفتهم العميقة كلٌّ حسب اختصاصه، وأن يتم الاهتمام بالفائزين إعلامياً وأن تصدَّر هذه النتاجات وتسوّق بشكل أكبر بعد الإعلان عن أسماء الفائزين. وأن يحتفى بالفائزين بشكل يليق بهم ويليق بسمعة الثقافة العراقية.
 
قيمة اعتباريَّة
يشير الناقد عبد علي حسن إلى أن غالبية الدول والمؤسسات الأكاديمية والثقافية تعتمد نظام منح الجوائز الإبداعية في المجالات الفنية والأدبية سواء على مستوى وطني أو إقليمي أو قومي أو عالمي، كما وتتبدى أهداف منح هذه الجوائز في رصد المنجز الذي يحقق تجاوزاً وتفرّداً في مدةٍ زمنية غالباً ما تكون سنوية لملاحقة أفضل منجز متحقق يعدُّ أنموذجاً إبداعياً يتَّسمُ بالجدّةِ مضموناً وشكلاً، وعلى الرغم من التلميح بخضوع تلك الجوائز إلى سياسات وأهداف الجهات المنظّمةِ مما يجعلها بعيدة عن المصداقية والموضوعية، إلّا أنها لا تخلو من أهداف مركزية عامة تدفع بالمبدعين إلى تقديم منجزاتهم الإبداعية للدخول في منافسة للفوز بتلك الجوائز، ولعل في مقدمة هذه الأهداف هي القيمة الاعتبارية، فضلاً عن القيمة المالية التي سيتمتع بها المنجز الفائز كإجراء تشجيعي، وكذلك توفير الحافز والدافع للدخول إلى المنافسة من قبل المبدعين. لذلك عمدت وزارة الثقافة العراقية إلى وضع (جائزة الإبداع العراقي) وربّما هي الجائزة الوحيدة التي تمنحها الدولة لتشمل اختصاصات فنية وأدبية متنوعة، إلّا أن مفاجأة الوسط الثقافي العراقي بحجب عدد من الاختصاصات التي نراها مهمة كالنقد والشعر والقصة القصيرة من المشاركة للسنة الحالية بدعوى قلّة أو ضعف التخصيصات المالية لتشمل جميع الاختصاصات الفنية والأدبية، ونضع ألف علامة تعجب واستفهام أمام هذه الدعوى، لعلَّ في مقدمتها عدم تناسب الغنى المالي للدولة كبلد نفطي والتخصيص الضئيل جداً للجائزة، وكان على الوزارة أن تهتم بضرورة شمول الاختصاصات جميعاً، كما وأنَّ مراسيم حفل توزيع الجوائز فقيرة تمرُّ مرّ الكرام وهو ما يُضعفُ من قيمتها الاعتبارية وكأن عملية منح الجائزة إسقاط فرض وظيفي من دون أن يكون هدفاً ثقافياً وطنياً.
ويطالب حسن بالاهتمام إعلامياً وثقافياً بالأعمال الفائزة وطبعها على نفقة الوزارة، واعتماد لجان تحكيم من المبدعين الذين يتسمون بالمقدرة المشهودة والموضوعية تعتمد وضع القائمة القصيرة لتتسع دائرة التقييم.
 
أجواء معطّلة
ويتساءل الدكتور ياسر تركي عن فائدة جائزة تحفّز الإبداع وسط جهود إبداعية معطلة عن قصد، إذ إن المشهد الثقافي مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمشهد السياسي المرتبك والملتبس؛ فالثقافة تحتاج لأرضٍ خصبة تتمثل باحترام الفنون ودعمها بشكلٍ صحيح وسليم، فواقع الحال اليوم في العراق، وغياب صوت المثقف التنويري بسبب عدم وجود الحصانة المتمثلة بالقوانين الداعمة والحامية، جعل الثقافة العراقية بكلِ إرثها وعمقها المعروف للعالم وتأثيرها على المحيط العربي في حالٍ يُرثى لها. إن ما نشاهده اليوم من فعاليات لا يعدو كونه محاولات فردية متعلقة بأشخاصٍ أو مؤسسات أهلية تحاول خلق واقع ثقافي مقبول برغم قسوة المحيط الملتهب بالمشكلات وتبعات الحروب مما يبعث في النفوس بصيص أمل مرتبطا ببعض النجاحات في مجال السينما والمسرح والكتابات السردية.
مضيفاً: في المحصلة لا نجد أيّة فائدة لجائزة إبداعية وسط أجواء ثقافية معطّلة، وعليه نقترح أولاً إعادة بناء المؤسسة الثقافية بعيداً عن المحاصصة لكي نصل إلى مرحلة إنعاش الثقافة العراقية.
 
دعم معنوي
ويرى الفنان كافي لازم أنه لا بدَّ من أن تكون هناك دراسة مستفيضة... جائزة الإبداع مهمة مع أنَّها جاءت متأخرة، إلّا أنّه سيكون لها وقع خاص على المستوى الوطني والمجتمعي، ومن جانب آخر فإنها تخلق حالة من المنافسة الجادة بين المشتركين، هذا إذا كانت اللجنة المشرفة تتمتع بالاستقلالية والنزاهة والعلمية وعدم خضوعها إلى أيّة جهات سياسية، ومن ثم يجب أن يخضع كل هذا إلى قانون يسنّه الخبراء وتصادق عليه الدولة لكي لا يكون تابعاً لمزاجية الأفراد في اللجنة.
ويؤكّد لازم أنه على اللجنة أن تبتعد تماماً عن نظام المحاصصة السائد في سياسة الدولة، وهي فرصة لنا نحن المثقفين أن نصنع نظاماً خاصاً ليكون أنموذجاً حيّاً يقتدى به في مفاصل الدولة جميعها.
ويفصح لازم أن المثقفين طالبوا بتأسيس مجلس أعلى للثقافة والفنون يقرُّ بقانون خاص ومستقل. كما أنه يرى أن تكون الجائزة مجزية في قيمتها ورمزيتها. ويكون لكل اختصاص لجنة خاصة، في مجال المسرح وفروعه، والتشكيل وفروعه، الموسيقى والغناء، الأدب، والصحافة والإعلام.. وأن لا يكون دعم الجائزة مادياً عائقاً لنشاط هذه اللجنة التي عليها أن تكون بعيدة عن السجالات السياسية ومضاربات الانتخابات.. وفي النهاية، فإن جائزة كهذه لا تتطلّب الأموال الكبيرة جداً، قياساً بأي مشروع متلكئ في العراق.
ويتمنى لازم إبعاد لجان الجائزة عن الدوائر الرسمية، بما فيها وزارة الثقافة والنقابات المهنية، وإن كان لا بدَّ من ذلك، فيكون فقط للاستشارة وتبادل
المعلومات.
إسقاط فرض
ويبيّن القاص هيثم محسن الجاسم أنَّ جائزة الإبداع حدّدت مسبّقاً نوع المشاركة ولم تدرج القصة القصيرة في إعلانها للمسابقة، وهذا سبب كافٍ لي كقاص، أن لا أهتم بها، وأعدُّ هذا قصوراً في أهلية الجهة المنظمة للجائزة وجهل بجنس القصة القصيرة منجزاً ورواداً في العراق. أما رأيه بها بصورة عامة، فالجائزة لم تكن محايدة أبداً وهناك أعمال فائزة لم ترق فنياً وإبداعياً لأن تكون أنموذجاً للإبداع العراقي، ولاسيّما السرد، بخلاف ما يسجل لجوائز عربية وعالمية تنظّم من جهات متخصصة ومستقلة وغير مهيمن عليها من جهات حكومية تؤثر في نزاهة وكفاءة اللجان لاختيار العمل الإبداعي الرفيع في ذلك العام، ليكون وجهاً مشرقاً لإطلالة ذلك العام أمام العالم.
مضيفاً: لو راجعنا السنوات الماضية من عمر الجائزة، ففي العام 2019 أدرجت القصة القصيرة في الدورة الخامسة بالرقم واحد وغابت الرواية وكانت العناوين عشرة فقط، بالعكس منه هذا العام غاب النقد والمسرحية والفيلم القصير، فضلاً عن القصة القصيرة، وهذا يؤكد ما ذهبت إليه في أن الجهة المنظمة غير مؤهّلة لإدارة كرنفال ثقافي مهم كهذا لإبراز وجه العراق الإبداعي، بل كأنه إسقاط فرض سنوي لنشاط الوزارة العام.