مـقـاهــي تـدخيـن «الأركيـلــة} تكـتــظ بالصـبـيـة والأحــداث

ريبورتاج 2019/02/23
...

بغداد/ بشير خزعل 
تصوير/ نهاد العزاوي
تزدحم اغلب مقاهي الأركيلة في أحياء العاصمة بغداد بفئات عمرية مختلفة، فبين الجالسين في أحد المقاهي في مدينة الشعب صبي لم يتجاوز عمره  الرابعة عشر، ومع ذلك يدخن الأركيلة مع أصدقائه في جلسة لعبة الدومينو، فبعد رجوعهم من العمل في ورشة الحدادة، إعتاد هؤلاء الصبية على ارتياد المقهى القريبة خلال فترة استراحة الغداء اثناء العمل ، وليست هذه المقهى الوحيدة التي يرتادها صبية باعمار صغيرة بل هناك عشرات المقاهي التي لا تضع أية ضوابط لدخول الاحداث ، الامر الذي ادى الى سهولة استغلالهم واستدراجهم في تعاطي المخدرات والترويج لها . 
وجود الاحداث بأعمار من 13 – 16 سنة في المقاهي اصبح ظاهرة مألوفة ومعتادة ، مع تغاضي بعض أصحابها من أجل الكسب المادي ومع غياب الرقابة الاجتماعية والقانونية التي سهلت ارتياد الأحداث الى تلك الأماكن .  
 
استراحة
في اغلب الاحياء الشعبية في مدينتي الشعب والصدر وغيرهما تنتشر عشرات المقاهي التي تتخصص بتدخين الاراكيل وتناول المشروبات الساخنة والعصائر، البعض من تلك المقاهي يضع شاشات تلفاز كبيرة لمتابعة المباريات المهمة على القنوات المشفرة ، واخرى تضع اغاني عاطفية راقصة لمطربين عراقيين وعرب ، في احد زوايا المقهى يجلس ثلاث صبية كانت تبدو على ملابسهم اثار العمل في ورشة حدادة، اكبرهم هو حسن مواليد 2002 وعبدالله تولد العام 2004، وفاضل ايضا من مواليد العام 2004، يقول حسن: انا ادخن الأركيلة منذ سنتين فقد تعودت على ذلك بعد وجبة الغداء التي اتناولها على عجل في سبيل ان يكون هنالك وقت كافٍ للتدخين اثناء الاستراحة من العمل، فالاستراحة هي لمدة ساعة واحدة فقط، لكن في المساء بعد الساعة الثامنة نرجع الى المقهى لتدخين الأركيلة ولعب الطاولي او الدومينو الى مابعد منتصف الليل.
اما عبدالله الزبون الاخر في المقهى فاكد انه يدخل الى المقهى بسهولة وراحة ولا احد يمنعه من ذلك، وقد تعلم على تدخين الأركيلة من اصدقائه في العمل، مبينا انه غير قادر عن الاستغناء عنها وانه يعمل من اجل ان يتدبر تكلفة معيشته فقط، لان اهله غير محتاجين ماديا، لكنه ترك الدراسة بعد ان قطعوا مصروفه اليومي الذي ازداد مبلغه مع مرور الوقت . 
 
مقاهٍ
بعض اصحاب المقاهي في احياء مختلفة من بغداد بينوا انهم مع تنفيذ قانون منع دخول الاحداث الى المقاهي او الملاهي الليلة، لكن قسما آخر لم يلتزم بالقانون من اجل الكسب المادي.
 علي دحرب صاحب مقهى في حي الصحة ببغداد قال: احيانا عندما نرى صغارا  تبدو على وجوهم اثار الطفولة نقوم بمنعهم من الدخول، وفي احيان كثيرة  نتفاجأ بانه شاب ولديه ملامح رجولة ، اللحية والشارب وهو من مواليد 2002 او 2003 ولا نستطيع  معرفة عمره الحقيقي الا بعد الاطلاع على هويته الشخصية، وبصراحة لا يوجد صاحب مقهى يطلب من زبائنه ابراز بطاقاتهم الشخصية، ليس انا فقط بل جميع اصحاب المقاهي . 
 
 محافظات
في محافظات عديدة منعت مجالس المحافظات وقيادات الشرطة دخول الاحداث الى مقاهي الأركيلة ، لاسيما بعد ثبوت حالات استغلال لاحداث في عمليات بيع وترويج للمخدرات التي تجد لها اسواقا خفية وسط  بعض المقاهي ، ففي محافظة النجف وذي قار وبابل تم تنفيذ حملات ليلية من قبل الأجهزة الأمنية لتفتيش المقاهي و(الكازينوهات) ، ووجهت إلى أصحاب المقاهي المنتشرة في تلك المحافظات، تعليمات تحذر من السماح لدخول من هم دون سن 18، وتم أخذ تعهدات بشكل أصولي  من قبل اصحاب المقاهي ، وقامت الشرطة في معظم المحافظات العراقية بإغلاق المقاهي "المشبوهة" والمخالفة للقانون، بعد تزايد الشكاوى منها.
  قائد شرطة ذي قار اللواء حسن سلمان الزيدي قال : ان القرار يقضي بمنع دخول الاحداث دون سن 18 عاما للمقاهي وصالات البليارد، مبينا ان الحملات التي نفذتها الشرطة لتلك الاماكن رصدت تواجد الاطفال‏ لساعات متأخرة فيها وسلموا الى ذويهم، فيما اخذت تعهدات من اصحاب المقاهي بمنع دخولهم مرة اخرى.
واضاف ان الحملة تأتي استجابة لمناشدات العديد من المواطنين في المحافظة عبر مواقع التواصل ‏الاجتماعي بشأن ارتياد الأحداث والصغار إلى المقاهي مما يتسبب بتركهم للدراسة وجنوحهم الى منزلقات خطيرة. 
 
قانون
  المحامي علي محسن السراي تحدث عن القانون الخاص بالاحداث قائلا : قانون رعاية الأحداث العراقي رقم 76 لسنة 1983  نصت المادة (3) منه على ان يسري هذا القانون على الحدث الجانح والاحداث المعرضين للجنوح وعلى اوليائهم ويعتبر صغيرا من لم يتم التاسعة من عمره ويعتبر حدثا من أتم التاسعة من عمره و لم يتم الثامنة عشر من عمره ويعتبر الحدث صبيا اذا أتم التاسعة من العمر و لم يتم الخامسة عشرة ويعتبر الحدث فتى اذا أتم الخامسة عشر من عمره وقد نصت الاسباب الموجبة لصدور قانون رعاية الاحداث لغرض الحد من جنوح الاحداث عن طريق ايجاد نظام متكامل يستند الى اسس علمية ولا يقتصر على معالجة الحدث الجانح وانما يسعى ايضا الى وقايته من الجنوح وشموله بالرعاية اللاحقة بعد انتهاء التدبير المفروض عليه لمنعه من العودة الى الجريمة حيث ان الرعاية اللاحقة تمثل الجانب المتمم للعلاج فقد بات من الضروري اعادة النظر في السياسة الجنائية الخاصة بجنوح الاحداث.
ونصت المادة 52/ اولا من قانون رعاية الاحداث على أنه لا يجوز توقيف الحدث في المخالفات ويجوز توقيفه في الجنح والجنايات لغرض فحصه ودراسة شخصيته وعند تعذر وجود كفيل، وان قرار توقيف الصغير ينفذ في دار الملاحظة ولا يجوز توقيف الصغير مع البالغين ، واضاف السراي : ما تضمنه القانون الذي ذكرت بعض فقراته هو من اجل عدم توفر البيئة المناسبة للجريمة او الجناية لمن هم في اعمار صغيرة ، وتلك المقاهي والملاهي اصبحت اماكن خطرة جدا لجذب الصبية والفتية ووقوعهم في شباك العصابات والمجرمين الذي يتسكعون في تلك الاماكن ، ولذلك لابد من تفعيل القانون بقوة من خلال مراقبة ومتابعة تلك المقاهي .  
 
 استمارة فحص
 وزارات الصحة والتربية والتعليم العالي تنسق معا لتنظيم استمارة خاصة بفحص المواد المخدرة لطلبة المراحل الدراسية قبل انتقالهم الى الجامعات.
 مستشار الصحة النفسية في وزارة الصحة الدكتور عماد عبد الرزاق قال :  الوزارة تنسق مع وزارتي التربية والتعليم العالي لاستحداث استمارة خاصة بفحص المواد المخدرة لطلبة المرحلة الاعدادية قبل انتقالهم الى الجامعة، مبينا ان الاتفاق يجري من اجل تحديد آليات الاستمارة ورؤية الوزارتين بما ينسجم مع العملية التربوية والتعليمية في البلاد وكذلك تحديد الاجراء الذي سيتخذ مع الطالب في حال ثبوت تعاطيه لتلك المادة.
واوضح ان هذا الاجراء يأتي ضمن الجهود الوطنية لمكافحة المخدرات، مؤكدا ان اجراءات الفحص ستكون بسرية تامة للحفاظ على الحالة النفسية للطالب وضمان حقوقه وسلامة المسيرة التعليمية والصحية لشريحة مهمة وتهيئة البيئة الصحية المناسبة لهم.
 
متابعة 
 مدير العلاقات والاعلام بوزارة التربية فراس محمد حسن بين ان الوزارة  تتابع هذه الظاهرة مع جهاز الاشراف التربوي والاختصاصي واقامت مؤتمرات بهذا الصدد وورش عمل وندوات واطلقت حملات ومبادرات في عدد من المحافظات لمنع انتشار هذه الظاهرة داخل الحرم المدرسي. 
واكد ان الوزارة تمنح هذه الظاهرة اهمية قصوى منذ بدء العام الدراسي الحالي لمحاربتها قبل وصولها لطلبة المدارس وهناك تنسيق عال بين الوزارة ومديرياتها بمتابعة الواقع التربوي في المدارس مع التأكيد على الجوانب الصحية والاجتماعية للطلبة. 
وبين ان الوزارة استعانت بعدد من المختصين في موضوع المخدرات من خلال القاء عدد من  المحاضرات والكلمات التوعوية التي عبرت عن مدى اهمية تكاتف جميع الجهود لمحاربة هذه الظاهرة الخطيرة والتاكيد على دور الهيئات التعليمية والتدريسية ورجال الدين وشيوخ العشائر لتعزيز ثقافة المجتمع 
وتحصينه. 
ولفت حسن الى التنسيق مع منظمات المجتمع المدني للتعاون من اجل الوقاية والقضاء على هذه الافة ونشر الاسباب التي ادت الى انتشارها واتخاذ الخطوات العملية التي من شأنها ان تسهم بمحاربتها.