حكاية من ديوان الغجر الامير المسحور

فلكلور 2021/08/05
...

 يرويها: هاشم غرايبة
 
كان يا ما كان، يا سادة يا كرام، كانت هناك غجرية اسمها ذات الرمش المكحول، وكانت من أجمل صبايا الغجر، كان يمر بالقرب من خيمتها كل مساء صياد وسيم، حاملا قوسه ومتنكبا جعبة سهام ويصعد الجبل. لكنه كان دوما حزينا، ولا يلتفت لجمالها.
 غنت له: 
تعال إليَّ أيها الحزين 
تعال وارقص معي 
لك في صدري نار 
وزوج حجل
ضع ذراعك القوية حول خصري
ضمني إلى صدرك
لأسقيك خمرتي
 وأنسيك حزنك الثقيل
تعال إليَّ أيها الصياد الحزين لأسقيك خمرتي
لك في صدري نار 
وزوج حجل
ضع ذراعك القوية حول خصري
ضمني إلى صدرك
 لنرقص معا
وأنسيك حزنك الثقيل
لكن قلب الصياد لا يلين، لم يتغير الحال، يا سادة يا كرام.
عندما اكتمل القمر، جلست الغجرية على باب خيمتها، وبثت القمر لوعتها:
أيا بدر لك عندي أحاديث الهوى، وقلب شقه العشق وأضناه الجفا 
أشفق القمر عليها، فأرسل لها غلالة رقيقة كأنها الحرير.
 
وقال لها: هذه العباءة ستعجب الصياد، وعوى ذئب في الجبل البعيد.
الليلة التالية جلست الغجرية ذات الرمش المكحول على باب خيمتها تبكي:
 
آه أيها القمر المنير حتى عباءة الحرير لم تعجب الصياد الحزين.
ابتسم القمر، وقال لها: حبيبك يا ذات الرمش المكحول أمير مسحور، لا يفك سحره إلا أن تقلعي رمشا من عين الذئب الذي سيعوي بعد قليل.
ذهبت ذات الرمش المكحول إلى الجبل البعيد تبحث عن الذئب، فوجدته نائما في مغارته، جلست قربه وصارت تراقبه، فرفع الذئب رأسه، فتح نصف عين، وأصدر همهمة غاضبة، فانسحبت بعيدا عنه بهدوء.
يوما إثر يوم صارت تقترب منه أكثر حتى اعتاد الذئب رائحتها. تشجعت الغجرية ذات الرمش المكحول وغنت للذئب:
يا ذيب يا سيد الفلا، جيتك عاشقة، والجرح ماله دوا
 ليلة إثر ليلة صار الذئب يألف صوتها، ويطرب لغنائها، ليلة بعد ليلة وذات الرمش المكحول لا تكل ولا تمل من مؤانسة الذئب، حتى أنسها ونامت في مغارته.
ليلة اكتمال القمر بدرا، كان الذئب ينام على ركبتها، سحبت أطول رمش من جفن عين الذئب فانقلب على جنبه وشخر. خافت. لكنها برفق انسلت ولم تنظر خلفها، هبطت مدارج الجبل عدوا، وعندما وصلت خيمتها، وضعت رمش الذئب بجيبها ونامت فرحة
 بإنجازها.
صارت كل يوم ترفع رمش الذئب بين اصبعيها، وتنتظر مرور الصياد الحزين.
مرت ستة صباحات، وستة مساءات، ولم يظهر الصياد الحزين على درب الجبل.
ظهيرة اليوم السابع انجلى غبار الدرب عن عربة فاخرة، تجرها ستة خيول مطهمة ويحف بها كوكبة من الفرسان. توقفت العربة وموكبها أمام خيمة ذات الرمش المكحول، وهبطت منها ملكة البلاد بجلال قدرها. وبعد أن سلّمت وآنست، قالت لذات الرمش المكحول: من استطاعت أن تستل الرمش الناعم من عين الذئب الكاسر، من استطاعت أن تستل الحزن الجافر من قلب الأمير الحائر، وتملأ قلبه بالحب والفرح الغامر؟. لقد كان ولدي الأمير نجم السماء ينقلب ذئبا مع مغيب كل شمس، وأنت أيتها الفتاة الطيبة، رفعت عنه السحر الشرير عندما اقتلعت من جفنه الرمش المشؤوم.
لعلكم تسألون يا كرام، ما الذي حدث بين الأمير المسحور والغجرية ذات الرمش المكحول؟. أستطيع أن أقول غن الذئب الجسور هو الأمير المسحور ذاته، وتستطيعون أن تقولوا ما شئتم لتكملوا الحكاية، فالحكايات كما الحياة.. سراب.