خارج الثوابت الاجتماعيّة

آراء 2021/08/07
...

 عباس الصباغ
 
فوجئت وصُدمت من تقرير اجتماعي بثته احدى الفضائيات وكان حول المتغيرات التي حصلت في الأسرة العراقية، وما يتعلق بها من تصاعد نسب الطلاق وشيوعها بشكل ملف للنظر، خاصة بين الازواج حديثي العهد بالزواج وتأسيس اسرة جديدة اي بين الشباب، والصدمة لم تأتِ من ارقام الطلاق العالية ولا من اسبابه وهي معروفة، بل من شيوع ظاهرة اجتماعية/ سايكولوجية جديدة العهد على النسيج المجتمعي العراقي وتتمثل في (استسهال) عملية الطلاق وكأنه مرحلة عادية يمر بها الازواج تتطلب اجراءً روتينيا بسيطا يأخذ مجراه الطبيعي في المحاكم مع وجود ادوات مساعدة لذلك من محامين ومعقبين وحتى قضاة ومن يعتاشون على مصائب الناس، غيرَ آبهين بالنتاج الكارثية الحاصلة على الاسرة التي تتركها (معاملة) الطلاق لاسيما الاطفال.
يجري ذلك عكس تيار القيم الاجتماعية التي كانت سائدة في الماضي، والتي كانت يوسم بها المجتمع العراقي تمييزا له عن بقية المجتمعات، ومن هذه القيم ان الطلاق كان في السابق امرا معيبا، ولا يجرى بين الازواج المختلفين، إلاّ لأمر مهم يستدعي ذلك او لخلافات زوجية حادة يكون الطلاق حلا وحيدا لها وليس حلا جاهزا لأول خلاف يدبّ في اوصال الحياة الاسرية، وكأن الطريق صار مغلقا تماما ولا توجد حلول اخرى عدا قاعة المحكم، ومن غير اعتبار الطلاق امرا معيبا لاعتبارات تتعلق بالأعراف الاجتماعية المتوارثة في المجتمع العراقي، وكأن الذي يقوم بإجراء الطلاق لأسباب غير معقولة يعرّض نفسه للانتقاد المجتمعي اللاذع وسمعته للخدش، ويكون شخصا غير سوّي في نظر المجتمع وقد انقلبت الصورة حاليا وصار الطلاق امرا عاديا وشخصيا جدا يتعلق بالحرية الشخصية المكفولة دستوريا.
صحيح ان الطلاق مسألة تقع في صميم الحرية الشخصية للفرد، لكنها تخص الامن المجتمعي ايضا، فمن غير المعقول ان يرى المشرّعون والاكاديميون ورجال القانون والمؤسسة الدينية ومراكز البحث العلمي والمختصون بالانثروبولوجيا وعلم الاسرة والطفل والسايكولوجيا الارقام الفلكية للطلاق، وهي تتصاعد خطوطها البيانية يوما بعد اخر بشكل جنوني، كما تتباين اسبابها ما بين المهمة والتافهة او المضحكة في بعض الاحيان، من دون ان يكون لهم موقف جاد ينتشل الاسرة العراقية من واقع الضياع باستسهال ايقاع الطلاق بين الازواج المختلفين، لابسط الامور الحياتية واليومية واتفهها، ولا بد من وضع حدود معينة ومصدات لهذا الامر، الذي يجب ان لا يخضع للمزاجيات الكيفية حفاظا على النسيج المجتمعي من التفكك، ولايعد امرا شخصيا الا في حدود المعقول والمنطق، الطلاق ليس امرا شخصيا بحتا بقدر كونه امرا اجتماعيا ايضا.