في مركزية الدولة وقوتها

آراء 2021/08/07
...

   رزاق عداي
 
الدرس الاول المستخلص اليوم من تمادي جائحة كورونا، والتي بدت في الفترة الاخيرة، وكانها تحاول أن تستمر متوطنة بتحويراتها الكارثية كاكبر تحدٍ يواجه البشرية قاطبة هوتفعيل مركزية الدولة وضبط الايقاع الاجتماعي، استجابة لظروف خاصة واستثنائية تستدعي قوة المركز في تنفيذ شأن عام ضروري لا علاقة له بالحرية الفردية، وبخصوص فيروس كورونا فرض التلقيح بقوة القانون اواستخدام آليات الدولة المختلفة.
وهذا ما يفسر تفوق تجربة الصين الباهرة بالسيطرة السريعة على الجائحة قياسا مع بلدان اخرى لاتقل عنها تقدما، واقل منها سكانا بكثير، يعود الى فائض المركزية التقليدية التي تتمتع بها الدولة الصينية، والهيمنة الطاغية للحزب الشيوعي الصيني المالك لاكبر تكنولوجيا اجتماعية بعدد اعضائه، الذي يتجاوز الثمانين مليون.
 فالجدل حول الدولة الحديثة ظل مستمرا في الاحقاب الاخيرة حول مدى قوتها وضرورتها خصوصا في الأزمنة الاستثنائية كالحروب والفيضانات والجوائح، والمراحل الانتقالية، اذ حتى دعاة ما اطلق عليها بالليبرالية الجديدة راحوا اليوم يراجعون افكارهم وكتاباتهم السابقة، التي تعتقد أن لا مناص من الاخيرة كصيغة متوائمة مع الطبيعة وتطورها كما يعتقدون، 
فـ( فوكاياما) في كتاباته الاخيرة عاد ليؤكد ضرورة وجود دولة قوية لضمان تاسيس قواعد الحرية الاقتصادية، اوما اطلق عليه منذ قرابة قرن من الزمان براسمالية الدولة، فلقد صادف ان تزامنت الاصلاحات الصينية مع الانتقال الى الحلول الليبرالية الجديدة في بريطانيا والولايات المتحدة الاميركية، ومن الصعب جدا اعتبار هذا التزامن اي شيء آخر، عدا كونه مصادفة حرجة وذات اهمية بالغة على مستوى العالم، كانت النتيجة في الصين انشاء نوع خاص من اقتصاد السوق، يدمج باطراد عناصر ليبرالية جديدة تتشابك داخليا مع تحكم الدولة المركزي وسيطرتها الشديدة على مختلف مرافق الحياة، وبهذا تكون الصين قد دشنت تجربة جديدة ورائدة تجمع بين متناقضات ابرزها تعايش حرية مناسبة لنشاط اقتصادي وقوة الدولة ومركزيتها. ففي احتفال الذكرى المئوية لتاسيس الحزب الشيوعي الحاكم الوحيد للدولة، لم تظهر بوادر التخلي عن تعاليم (ماو) و(دينغ شياوبنغ)، الا أن الاخير (شي جين بنغ) الذي يظهر كالامبراطور، الذي يجمع في شخصه عددا من السلطات، كرئيس دولة، وزعيم حزب، ورئيس اللجنة العسكرية، بما يجعله اقوى
شخصية في الدولة.
في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، ساهم الفيلسوف الفرنسي (لويس التوسير) في ايضاح مسألة اساسية، وهوانه ليس هناك عند ماركس ولا في الماركسية ما يمكن ان يدعى، بين الراسمالية وبين الشيوعية، نمط انتاج اشتراكي قائم بذاته، وبالتالي الاشتراكية بحد ذاتها هي مرحلة انتقالية، وليس هناك ما يسمى انتقال نحوالاشتراكية، من بين ركام الافكار التي نسفها الانهيار السوفياتي، بالنتيجة ثمة في ايضاح التوسير، هذا مفتاح لمقاربة تجربة الصين تحت حكم هذا الحزب الشيوعي، ليس بمعنى انها في مرحلة انتقالية بين الراسمالية والشيوعية، بل كونها تعيش نموذج راسمالية الدولة في اضخم اشكاله، كاحد نموذجين تقوم عليه الراسمالية في عصرنا، بلدان راسمالية اولا، وبلدان راسمالية السوق، ما بين هاتين الصيغتين تتحرك التجربة الصينية، بغطاء دولة مركزية قوية الشكيمة.