كتاب (الطفيَّات) للدكتور علي المصلاوي

ثقافة 2021/08/07
...

  عادل الصويري
 
منذ أن بسطت واقعة كربلاء حضورها على الأدب العربي، وانتقلت بسردياتها الكبرى إلى ضفاف الشعرية، ومنذ أن شاع استعمال رمز الإمام الحسين في النصوص الشعرية مع تباين الاستعمال الفني لهذه الرمزية، ظل الاشتغال النقدي حَذِرَ الاقترابِ من المنجزاتِ الأدبية المتفاعلة مع هذه الواقعة؛ بسبب حساسيات معينة تغلب عليها المهيمنات الذهنية والتاريخية. وبسبب هذه المهيمنات تأخر الحديث عن الخصوصيات الجمالية التي اشتملت عليها الآثار الأدبية للواقعة.
ومع واقعية حضور رمز الحسين صاحب النهضة الإنسانية الكبرى في النصوص؛ كان لا بد من جهد نقدي يسلط الضوء على هذا الحضور، بل ويتسلسل تاريخياً من بدايات الشعر المكتوب في هذا الحدث الكبير وحتى زمننا الحالي.
وقد فتح الدكتور علي كاظم المصلاوي باب الاشتغال النقدي المنهجي عبر مشروعه الكبير (الطفِّيات المقولة والإجراء النقدي) والذي أصدره في كتاب صادر عن قسم الشؤون الفكرية والثقافية قسم الدراسات التخصصية في العتبة الحسينية المقدسة، إذ أكد في مقدمة الكتاب (أنَّ قصيدة الحسين عليه السلام التي نعتُّها بـ «الطفِّية» قصيدة لها بناؤها الفني الخاص. والطفِّية إفراز من قصيدة أوسع تعلَّقت بأهل البيت عليهم السلام، فالمعروف في تطور هذا اللون من الشعر أنه نشأَ نُتَفاً ومقطعات ثم بدأ ينفرد بقصائد كالذي وجدناه في شعر الشريف الرضي وهو ما حمله الإجراء الأول). وقد أكد في الإجراء الأول أن الشريف الرضي (هو الموحي للباحث بهذا المصطلح إذ جاء على شاكلة حجازياته الشهيرة والتي سارت على نسق مع هاشميات الكميت، وخمريات أبي نؤاس، وزهديات أبي العتاهية).
كما أكد أن اختياره شاعرين من حقبة القرن التاسع عشر جاء لتفنيد الآراء التي وصفت حقبة الشعر الخاص بهذه الواقعة حقبة مظلمة، بل على العكس تماماً فقد كانت كما رآها الدكتور المصلاوي مضيئة ولها ظواهر إبداعية بارزة تحرض المهتمين بالكشوفات الجمالية على تتبعها وإبراز ملامحها، مثل ظاهرة (القرآنية) عند الشيخ صالح الكواز الحلي وغيرها، وأن مصطلح (الحقبة المظلمة) ظالم وغير دقيق لهذه النصوص.
قسّم المؤلف كتابه إلى أربعة إجراءات جاءت هكذا: 
الإجراء الأول: طفِّيات الشريف الرضي- دراسة في البنية الفنية.
الإجراء الثاني: طفِّيات الشيخ صالح الكواز الحلي - دراسة موضوعية وتحليلية.
الإجراء الثالث: القرآنية في طفِّيات الشيخ صالح الكواز الحلي.
الإجراء الرابع: ديوان الشيخ محسن أبو الحب الكبير- دراسة في الموضوع الشعري.
وقد وضع لكلِّ إجراء نقدي من هذه الإجراءات الأربعة مقدمة خاصة.
في الجزء الخاص بـ (البنية الهيكلية للطفِّيات) درس المؤلف المكونات البنائية لمرثيات الشريف الرضي، وتنوع مقدماتها بين الحماسية والفخر والخيبة، وبعض المرثيات التي جاءت من دون مقدمات، وبتمرد الشاعر على بعض المرتكزات الخاصة بالقصائد ومنها (التصريع)، الأمر الذي يراه المؤلف مصداقاً لما قاله الناقد الراحل الدكتور عناد غزوان في كتابه (الشريف الرضي دراسات في ذكراه الألفية): (الشكل الفني للقصيدة مرتبط بالنظام السياسي والفكري لعصر الشاعر، فإنَّ التمرد والخروج عليه يعني تمرداً وخروجاً سياسياً وثقافياً على ذلك العصر).
وقد استشهد المؤلف لهذه الفكرة بأولى طفيات الشريف الرضي حين كان في الثامنة عشرة من عمره وقال في بعض أبياتها:
وَرُبَّ قائلةٍ والهَمُّ يُتْحِفُني ... بناظرٍ من نِطافِ الدمعِ ممطورِ
خَفِّضْ عليكَ فللأحزانِ آوِنَةٌ ... وَما المُقيمُ على حُزْنٍ بمعذورِ
فقلتُ:هيهاتَ فاتَ السمعُ لائمَهُ... لا يُفْهَمُ الحزنُ إلاّ يومَ عاشورِ
إنَّ مشروع (الطفِّيات) يمكن له أن يستمرَ؛ لاستمرار التدفق الشعري المتفاعل مع واقعة كربلاء، واستثمارها في الأعمال الأدبية المعاصرة، خصوصاً مع التحديث المستمر على أفكار ومواضيع القصائد التي تتناول هذا الحدث الإنساني الكبير، والخروج من مركزياتها المهيمنة إلى الهوامش التي جاورت تلك الواقعة الكبيرة.