درء السلبية

اسرة ومجتمع 2021/08/07
...

 قاسم موزان 
 
حين يتخطى الانسان حدود ذاته ويرتقي الى المثل العليا في سلوكه وتصرفه الايجابي نحو مجتمعه وذلك باسعاد الآخرين بالكلمات الطيبة والنصائح المفيدة وتطييب الخواطر، فهذه الاشياء في مجملها تنم دوافعها الانسانية من جوانب غاية في النبل والاخلاق الحميدة ويمكن أن نطلق على هذا الانموذج "الانسان المعطاء"، العطاء مشروع حياة في تفاصيله اليومية والمستقبلية، ولا يقتصر العطاء في الجوانب المادية كما يعتقد البعض بل يتعداها الى ما هو اشمل واعمق في بلورة حالات لافتة في الواقع المجتمعي الذي يسعى الى تغيير النمط السائد نحو الافضل في النسق الحياتي، الانسان الذي يسخّر حياته في خدمة محيطه الاجتماعي يشعر بسعادة بالغة لدى تقديم افعاله الطيبة ويبتعد في كثير من الاحيان عن دائرة الاضواء لتمجيد ذاته او الاحتفاء بها مثل هذا الشخص اخضع نفسه الى تدريبات نفسية ووجدانية على فعل الخير والدفاع عن المنظومة القيمية السامية، فحين يقوم المعطاء بأعمال تطوعية للصالح العام مثل اعمال التشجير او تنظيف مدينته او ازالة المخلفات عنها فان الاعتزاز بنفسه يزيد لما اقدم عليه من افعال ايجابية تجاه الآخرين وهي رسالة ودعوة في الوقت ذاته الى مشاركة جماعية في تعاون مشترك تسوده المحبة والرقي والتماسك ما يعمّق العلاقات الاجتماعية ويوطدها على اسس متينة ويوفر بيئة ناضجة في الوعي والسلوك والتصرف السليم في التعامل المناسب، ما يخلق مجتمعا راقيا تسمو فيه القيم الفاعلة وتضيق حينذاك آفاق الذات السلبية والانانية في مجتمع كهذا.
ولا تقتصر الاعمال الجليلة للإنسان المعطاء على مجتمع دون آخر وغالبا ما يتصدر المشهد من دون ضجيج، فمن سمات المجتمعات الحيوية واتضاح صورتها الحقيقية، وجود اناس فاعلين يمتلكون القدرة على العطاء والبذل اللامحدودين في كل الظروف مهما كانت صعبة في حالات البلد الاستثنائية، ويسهمون في البناء والتطوير، وهذا ما يحتاجه واقعنا الخدمي الآن الذي يشهد تراجعا ملحوظا في الخدمات الاساسية بعدة مفاصل، لأسباب لم تعد خافية على الرغم من الجهود الحكومية الحثيثة في ايجاد حلول ناجعة ونهائية للازمات الخدمية في عتمة اهمال المواطن نفسه، ما يتطلب وجود الانسان المعطاء القادر على التعاون مع افراد مجتمعه لإحداث تغييرات جوهرية في محيطه الواقعي خدمة لوطنه وازاحة اللامبالاة والانانية من تفكير من حوله، ليكون قدوة حسنة ويبتعد كلياً عن السلبية.