تجارب رائدة في بناء الدولة

آراء 2021/08/07
...

 اياد مهدي عباس 
الانكسار والتراجع، لابد لها أن تعيد حساباتها من جديد، وأن تقف على أهم الأسباب، التي أدت الى تراجعها وانكسارها، كي تتمكن من النهوض مرة اخرى وبناء دولة حديثة، تلبي طموح وتطلعات شعوبها.
 
حينما تمر الدول والشعوب بفترات من الضعف وانطلاقاً من المقولة (السعيد من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ بنفسه). صار من الضروري على من يريد النهوض بواقع البلد أن يأخذ بنظر الاعتبار تجارب الدول الأخرى، خصوصاً تلك الدول التي مرت بظروف مشابهة لما يمر به بلدنا اليوم، ومحاولة الاستفادة منها قدر المستطاع من أجل إيجاد الحلول المناسبة التي تنسجم مع خطط التنمية والإصلاح .
ومن بين أنجح التجارب واكثرها ثراءً وخبرةً هي التجربة الراوندية، تلك التجربة الرائدة والجديرة بالاهتمام والتي أذهلت كل من اطلع على تفاصيلها، لاسيما طريقة علاجها للمشكلات الداخلية وتغلبها على مخلفات الماضي، ما تجعلنا ان نتعلم انه لا شيء مستحيلا أمام الشعوب اذا ما توفرت الإرادة الوطنية والنية الصادقة والإصرار على تجاوز المحن وتذليل الصعاب .
وكذلك نتعلم أن المشكلات التي تعاني منها شعوب دول العالم الثالث في الغالب، تقف خلفها دول ذات طابع استعماري تعتاش على إذكاء الصراعات بين شعوب تلك الدول. 
ومن المهم أن نعرف أن راوندا دولة افريقية حبيسة وصغيرة المساحة نسبياً، تقع تحت رحمة الدول المحيطة بها، ويعتمد اقتصادها على الزراعة والرعي وتربية الحيوانات، وكانت في فترة خاضعة للاحتلال الالماني ثم البلجيكي، الذي تسبب في اندلاع حرب أهلية استمرت اربع سنوات أعقبتها حرب إبادة وتطهير عرقي ذهب ضحيتها 800 الف شخص في غضون ثلاثة اشهر، حتى صُنفت هذه الحرب من أعنف وأشرس الحروب التي حدثت في التاريخ الحديث. 
 لكن من بين ركام هذه الحرب الطاحنة وهذه الظروف القاسية انبثقت ارادة وطنية صلبة وقادة مخلصون، استطاعوا خلال 25 سنة من احداث ثورة تنموية شاملة استوعبت جمع مفاصل الحياة الراوندية، وتمكنوا من تغيير تجاه بوصلة المسيرة فيها، من اقصى التطرف والتطهير العرقي الى اقصى السلام والوئام بين مكونات الشعب، ونجحوا في بناء دولة يسودها الأمن والأمان والرفاهية والازدهار، حتى اصبحت الآن ايقونة التنمية الاقتصادية الحديثة في افريقيا او ما يطلق عليها سنغافورة افريقيا. وبعد ان كانت طاردة للسكان بسبب التناحر العرقي أصبحت محط اعجاب وانجذاب الشعوب الاخرى اليها، خصوصاً المستثمرين منهم. فهي اليوم تعد في مصاف الدول المتقدمة اقتصادياً، حتى اصبحت قاب قوسين من اقتصاديات الصين والهند، حيث تمكنت من إطلاق اول قمر صناعي لها خاص بالتربية والتعليم وربط المدارس النائية بشبكة الانترنت المتطورة، وهي بصدد اطلاق قمر صناعي اخر خاص بالموارد المائية. 
ما اريد قوله ان بناء الأوطان شرف لا يدانيه شرف اخر ومهمة صعبة لا يستطيع تحملها الا النبلاء والعظماء من الناس، ومن نذر حياته لوطنه وشعبه وهؤلاء هم النخبة والصفوة في كل مجتمع، لذلك نراهم دوماً في سفر الخالدين من الرجال حيث تتوفر فيهم شروط الإخلاص ونكران الذات والقدرة على حل المشكلات والأمانة وحب الوطن.