معجم البير كامو إذا كنت تريد أن تكون فيلسوفاً.. فاكتب روايات

ثقافة 2021/08/08
...

 كامل عويد العامري
 
هذا المعجم كتبه فريق دولي من المتخصصين، يتيح تحديد أهمية عمل وفكر ألبير كامو (1960-1913) في عصره وفي زماننا، من خلال جمع أحدث الأعمال النقدية والتاريخية. ليفتح أبوابًا متعددة على نتاج فكري خالد لا يزال قائمًا. وهو الروائي والكاتب المسرحي وكاتب المقالات والصحفي صاحب الرؤية الثاقبة والشجاعة، أصغر فائز فرنسي بجائزة نوبل للآداب. قلة من مواطنيه في القرن العشرين حققوا مثل هذا الاهتمام العالمي.
يعد معجم ألبير كامو (974 صفحة) العمل المرجعي الوحيد باللغة الفرنسية عن هذا الكاتب الكبير، الذي يتناسب مع تعددية شخصيته، يثني عليه من خلال شموله جميع جوانب نتاجه الفكري. مؤلف هذا الكتاب الجماعي، جانيف غيران، أستاذ الأدب الفرنسي في جامعة باريس الثالثة - السوربون الجديدة، الذي رتب مدخلاته ترتيبا أبجديًا متفاوتة الحجم من صفحة واحدة إلى إحدى عشرة صفحة (على سبيل المثال في ما يخص - الإنسان المتمرد). فضلا عن الملاحظة التكميلية حول: (دفاع عن الإنسان المتمرد) والجدل الذي أحدثه نشر هذه الدراسة، في عام 1951. لقد نوقشت جميع كتب كامو بالتفصيل، ليس فقط رواية الغريب 1942 والطاعون 1947، ولكن أيضًا كتاباته الفلسفية، ودفاتر ملاحظاته، وخطابه الرائع في السويد، الذي ألقاه لمناسبة نيله جائزة نوبل.
تتعامل مداخل أخرى مع أشخاص (من أندريه مالرو إلى جان بول سارتر)، وأصدقاء وأقارب، وشخصيات خيالية تخيلها كامو (مثل مورسو، في الغريب، ودرة، في العادلون) والمؤسسات ووسائل الإعلام (مثل صحيفة Combat ومجلة L'Express، الصحيفتان اللتان كان يكتب لهما)، وموضوعات (مثل الشعور بالذنب، والألم، والمسرح، والسياسة، والثورة، والمأساة)، والمفاهيم مثل: (الحرية، والأخلاق، والناس، والتفاهة)، وأخرى من العبثية إلى الوجودية.
في الفلسفة، نتذكر التدريب الأولي الذي تلقاه في جامعة الجزائر وأطروحته حول الميتافيزيقيا. والإشارة إلى أن النسخة الأولية من روايته (الطاعون) التي كانت تحتوي على تذكير تفصيلي بكيفية رؤية ثيوسيديدز [مؤرخ إغريقي] و ليكريتوس [فيلسوف وشاعر روماني] للطاعون، لكن هذه العناصر اختفت في الطبعة الأخيرة من الرواية كما ورد في المعجم/ ص 678. تم تخصيص ملاحظة كاملة لاستخدام كلمة (مطلق) في كتابات كامو وفي ما يتعلق بالأيديولوجيات، كان كامو يستخدم دائمًا مفهوم الأيديولوجيا بطريقة ازدراء. فهو يميز بين ثلاثة أنواع: الأيديولوجيات البرجوازية (أو الرأسمالية)، والأيديولوجيات العدمية، والأيديولوجية
الماركسية.
في سياق العروض التي قدمها أكثر من خمسين باحثًا متخصصًا في كامو، هناك اقتباسات وفيرة وذات صلة، ولكن مقتطفات قليلة من مراسلات الكاتب. ومن ثم، في ملاحظاته حول السياسيين، يمكن قراءة هذا المقتطف القصير: (في كل مرة أسمع فيها خطابًا سياسيًا، أو أقرأ لمن يقودنا، كنت اشعر بالخوف منذ سنوات من عدم سماع أي شيء يصدر صوتًا بشريًا. إنها الكلمات نفسها التي تدل على الأكاذيب نفسها)/ ص 390.
ويتطرق المعجم في مقتبس إلى مقطع من أسطورة سيزيف إذ كتب كامو: (إذا كان الله موجودًا، فكل شيء يعتمد عليه ولا يمكننا أن نفعل شيئًا. 
إذا لم يكن موجودًا، فالأمر كله يعتمد علينا)/ ص 216. هذا السؤال يُطرح باستمرار في هذا الكتاب (وعلى سبيل المثال الملاحظة حول جان بابتيست كلامانس، الشخصية المركزية في "السقطة"/ ص 156).
بعض الملاحظات المثيرة تلك التي تقارن مدارس الفكر أو التي تعارض اثنين من المؤلفين للإفصاح عن وجهات نظر عالم كل منهما. فعن نيتشه، يمكن تقدير هذا التمييز التنويري الذي قدمه موريس وييمبرغ: (إن موقف كامو غريب الأطوار يستند إلى حقيقة أنه نيتشوي، ولكن ربما أكثر من ذلك على حقيقة أنه نيتشوي يساري. إنه لا يؤمن أكثر من نيتشه بالعوالم الخلفية، وفي التعالي ولا ينسى أبدًا أن الطبيعة، التي يحتفل بجمالها، هي أيضًا بمثابة زوجة الأب)/ ص 606.
وفي مكان آخر، عن الفلسفة، يختار موريس ويمبرغ نفسه عددًا من الأفكار الكاموية بما في ذلك الاقتباس المذهل المأخوذ من دفتر الملاحظات الأول: (إذا كنت تريد أن تكون فيلسوفًا، فاكتب روايات)/ ص 675.
في بعض الأحيان تتكامل الملاحظات في ما بينها، على سبيل المثال في هذا العرض غير المكتمل حول القراءات التي اثرت بكامو الشاب، لم نجد أي ذكر لدوستويفسكي، الذي كان مع ذلك حاسمًا في تطوره الفكري. لكن في مكان آخر، إشارة واضحة عن مؤلف الجريمة والعقاب في تأثيره الكبير على كامو الشاب. هناك تناقض ظاهر آخر، في المدخل الخاص بالموسيقى، إذ يؤكد بيير غرولكس أن (كامو لم يكن لديه اهتمام خاص بالموسيقى)، بينما يشير مدخل سابق إلى موتسارت بأن الشاب كامو كتب في عام 1932 في مجلة Sud)  ) مدحًا (للموسيقى التي تعد الأكثر كمالا بين جميع الفنون). حتى الإهداءات التي كتبها كامو خضعت للدراسة، تمامًا مثل النقوش التي تظهر في
بداية كتبه. 
كان ألبير كامو أكثر من مجرد كاتب أو فيلسوف، يعد في فرنسا ما بعد الحرب كأخلاقي في المقام الأول. يظهر هذا التقارب وهذا التوصيف كأخلاقي في العديد من الملاحظات المستندة إلى الأحكام الصادرة عن مفكرين بارزين بما في ذلك إيمانويل مونييه الذي كان يرى في كامو (فنانًا وخبيرًا أخلاقيًا منقوشًا في تقليد كلاسيكي). لقد أشير إلى هذه الروابط المتناقضة على ما يبدو بين كامو والأخلاق والكاثوليكية في سبع ملاحظات مهمة مكرسة لاستقبال أعمال كامو في بلدان مختلفة (تقييم تأثير كتبه في ألمانيا وإسبانيا واليابان والولايات المتحدة) وبين طوائف مختلفة (مسيحية، وشيوعية، واشتراكية). وعلى وجه التحديد، في ما يتعلق بالاستقبال المسيحي، ويذكر أنه "خلال حياته، تمت قراءة كل كتابة جديدة لكامو بعناية في صحيفة La Croix، ومجلة دراسات، وفي بعض والمجلات التي اختفت" لقد تتبع النقاد الأكثر سماعًا في الأوساط الكاثوليكية مساراته. في هذه الملاحظة نفسها التي تجمع وجهات النظر المسيحية حول كامو، يضيف جانيف غيران أنه، أي كامو، في نظر الأب لوسيان غيسار، (لا يواسي المسيحي نفسه [...] لعدم إيمان كامو)؛ وتشير فقرة أخرى إلى أن مفكرًا فرنسيًا آخر، هو جان ماري دوميناك، كان يعد كامو (وثنيًا مسيحيًا). باختصار، شكّل عدم إيمان كامو مشكلة أساسية للعديد ممن كانوا يرون فيه كاتبا إنسانيًا وأخلاقيًا أو أنموذجًا يحتذى به.
معجم ألبير كامو معجم جامع يؤكد موهبة هذا الفيلسوف الاستثنائية الذي عرف كيفية الكتابة، وكيف صار مؤثرا.