تبرير القتل.. قتلٌ أيضاً

آراء 2021/08/08
...

 حارث رسمي الهيتي
 
في سيارتنا الباص أو «المنشأة» حسب التسمية العراقية والتي كانت تنقلنا من هيت الى الرمادي حيث الجامعة، كنا مجتمعاً صغيراً، نختلف في الكليات والتخصصات الفرعية، كذلك خلفياتنا الاجتماعية وانحداراتنا الطبقية، السن يختلف من أحدنا الى الآخر، ذكورا وإناثا لا جامع بيننا غير أننا في سيارةٍ تحاول يومياً أن تنجو من موت محقق. أخطر ما كنا نختلف حوله هو موقفنا من مجرمٍ ترك الرؤوس المقطوعة على جانبي طريقنا، مرةً تم ايقاف السيارة من قبل ملثمين، بعض الطلاب يسميهم «مجاهدين» وبعضهم يحاول أن يترنح بين الحق والباطل فيقول «مسلحين» إما نحن القلةُ طبعاً كنا نتلفت كثيراً قبل أن نقول «إرهابيين»، فتشوا السيارة عن شيء لا نعرفه، طلبوا من السائق أن يطفئ جهاز المسجل، تحدثوا عن اللباس الشرعي وآخر خاص بالمرتدين، تخلصوا من قرص CD كانت فيروز من خلاله تحاول أن تنقذنا من كل هذا القبح، وبّخونا على الأغاني طبعاً، وسلموا السائق بعض الخطب الدينية المزعجة طالبين منه أن يقصف مسامعنا منها في الصباحات القادمة. 
هذه الاحداث رافقتنا على مدى سنتين، قبل ان تعود الشرطة المحلية لتأمين الشارع بعد حركة الشيخ ستار أبو ريشة وتجربة الصحوات، أكثر ما يزعجني لغاية اليوم من هذه التجربة هي احاديث السيارة تلك يوم كنا نرى الرؤوس المنحورة، محاولة ايجاد تبريرات للقاتل من خلال ايجاد أي تهمة ممكنة وإلصاقها بالمغدورين. تهم ما أنزل الله من سلطان، يومها كنت – وما زلت- أعتبر ان أهم ما يبحث عنه المجرم قبل وبعد جريمته هو أن يجد من يدافع عنه، من يبرر له فعلته، أن يحاول اقناع الناس إن هناك سبباً دفع لهذه النتيجة. كل الأسباب التي تدفع برأسي أن يكون يوماً على جانب الطريق بعيداً عن جسدي هي أسباب كاذبة لا تكمن خطورتها في انها تنهي حياتي وتظلمني فحسب، بل أخطر ما فيها إنها تعمل على عدم محاكمة ذلك المجرم. أن تجعله مقبولا مجتمعياً، ولاحقاً سيتم التعامل معه باعتباره أي شيء حتى بوصفه سياسياً بارزاً مثلاً.