الانتماء للمكان المعادي في مجموعة انعكاسات امرأة لإيناس البدران

ثقافة 2021/08/09
...

  أشواق النعيمي 
 
رغم أن المرأة في مجموعة «انعكاسات امرأة» القصصية محور أساسي يلتف حوله الحدث، إلا أن الانعكاس هنا ليس ارتدادا لمشاعر وهواجس المرأة بقدر ما هو انعكاس للواقع بكل تجلياته وهو يمر من خلال موشور أنثوي يحلل معاناتها في لغة شفافة تجانس بين الواقع والخيال. 
تُستهل القصة الأولى «انعكاسات امرأة» بفعل الاستيقاظ بوصفه نتيجة لمؤثر سلبي «المنبه» الذي يتكرر في القصة التالية، ينقل المنبه الشخصية من عالم الحلم والراحة المؤقتة إلى عالم الواقع حيث الجسد المثقل بآلامه وهمومه، تعيش البطلة في مدينة ديستوبية لذا هي تغالب مآسيها بالحلم بمدينة فاضلة.
وتسرد الأحداث  في قصة «إشارات ضوئية» بشكل متداخل زمنيا ودلاليا من دون الاهتمام بتتابعها الزمني وانسياب السرد من مستويات مختلفة للكشف عن الكيان النفسي للبطلة التي تعد امتدادا لبطلة القصة الأولى. إنها المرأة المتعبة باستيقاظها، المثقلة بهمومها ومشاعر الضيق والملل من روتين حياتها اليومية، تؤرقها رغبة شديدة في الانطلاق بعيدا باتجاه النهر متخذة منه رمزا ومعادلا موضوعيا لتلك الرغبة، إذ يمثل جريانه التدفق الطبيعي للحياة، على العكس من الطرقات المحكومة بالقوانين والإشارات الضوئية التي تمثل المحددات المجتمعية الجائرة التي تتحكم بالمرأة. هي تبحث عن الحلم في بيئة معادية لها وتعلم أن البحث شيء وتحقيقه تحت سماء الوهم وفوق الأرض الرخوة شيء آخر. 
لم تخرج بطلة قصة «الاكتواء بثلوج كليمنجارو» مع بعثة استكشافية طمعا في مجد أو سبق صحفي أو هدف علمي نبيل، بل من أجل كذبة صدقتها ولم تدرك أنها كذبة إلا وهي فوق قمة تلك الجبال الجليدية الموحشة. في القصة تناص واضح مع قصة «ثلوج كليمنجارو» للكاتب الأميركي أرنست همنغواي في موضوع العنوان والفضاء المكاني الذي ظهر رغم روعة الوصف معاديا شديد القسوة، ومعادلا في رمزيته لإرادة التحدي والبحث القاتل عن أجوبة لأسئلة مبهمة طالما أربكت حياتها. 
تجسد «الرحلة الاستكشافية» صراع المرأة العبثي والمرهق مع ذاتها المتمردة على حساب أنوثتها وحياتها الفعلية، تجلى من خلال الانتقال بين ضمائر الغائب والمخاطب في حوارها مع الآخر (الغائب) الذي لعب دور المحرك الأساسي للرحلة المميتة.
في قصة «الشمس السوداء» التي تجمع بين الفنتازيا والخيال العلمي، وتنضوي إلى ما يعرف بأدب الكوارث وما بعدها، تتخلى المرأة عن الأنا المهيمنة وتتنحى لصالح البطل في تسيد المشهد السردي في دور معاضد لا يقل أهمية عن دور البطل. في ربورتاج حواري مطول يُسند للبطلة دور المجيب التلقائي لأسئلة الزائر الفضولي، فنتعرف من خلال الأجوبة على حكاية كوكب الأحلام الغريبة ومصير سكانه. 
تتبنى القصة من وجهة نظر استشرافية مبدأ النقد المبطن للواقع الاجتماعي والسياسي والخدمي من خلال مقارنة حوارية مفتوحة بين الزائر وفتاة كوكب الأحلام، تمثل تلك الحوارية رؤية القاصة الذاتية تجاه سلبيات المجتمع. 
توظف القصة شخصية «السلاحف الكارتونية» التي حكمت الكوكب خلفا للأمبراطور المستبد. فتتغير في عهدها شكل العبودية بتحول النظر من الأسفل إلى الأمام باتجاه الورق النباتي الأخضر في إشارة رمزية للقيم المجتمعية التي انحرفت بوصلتها نحو المادية المجردة. تُختتم القصة بمنظر غروب الشمس الذي أبهر البطل ثم أصابه بالصدمة بعد أن علم أنها ليست شمس حقيقية بل شمس بديلة عن الشمس الحقيقة التي انطفأت منذ أمد بعيد لتدل على انطفاء روح المجتمع الأصيلة واستبدالها بروح غائمة وزائفة لا حياة فيها.
ينحرف المسار في قصة «الجدار» نحو البطولة المطلقة للهو الذكورية المضطهدة والمقيدة بسلاسل الخوف واليأس. تنتمي القصة إلى  أدب السجون، السجن الفضاء الأضيق لولادة الأمل الذي تجسد بانبثاق شعاع الضوء وسط العتمة. الجدار ـ عنوان القصة ـ يمثل في رمزيته حاجزا بين عالمين أو معنيين، إذ تحتمل القصة تأويلات عدة أهمها ولادة الحياة من صلب الموت حين شقت نبتة خضراء صغيرة طريقها بين شقوق الحجر القاسي، ومحاولة كسر حاجز الخوف حين تمكن السجين من فتح كوة في الجدار بعد عدة ضربات دامية من يده. وقد يعني كسر الجدار التمرد الذكوري على زنزانة 
الأفكار البالية والتابوهات المجتمعية وإنهاء الاستسلام الطويل للخوف واليأس والحياة الرتيبة.