التنوير وبرنامج الإصلاح

ثقافة 2021/08/09
...

علي حسن الفواز
 
يمكن تعريف التنوير بأنه تمثيل لحركة الافكار، ولتبني خطاب العقل والعلم، لكن يمكن لهذا التعريف أن يشمل تمثيل القيم والاخلاق وكل الممارسات الثقافية والسياسية التي من شأنها تحقيق اهداف التطوير والحداثة للدولة وللانسان، وهذا مايجعل الحديث عن الاصلاح السياسي والاجتماعي وحتى الاقتصادي قرينا بقضية التنوير، على مستوى التفكير، واستعمال الادوات والوسائط الفاعلة، أو على مستوى خلق البيئات المناسبة التي تساعد على تقبّل الاصلاح وتتفاعل معه، والتي تدفع باتجاه وضع التنوير كدافع لتحريك قيم العمل والوعي، ولاعتماد العلم والمعرفة في السياق الصحيح، وعلى وفق برامج وستراتيجيات، وبإدارة خبرات علمية واكاديمية ومهنية تمنح هذا التنوير قوته وفاعليته..
فما حدث ويحدث في العراق منذ عقود طويلة يعكس مدى الهامشية التي تعرّض لها "التنوير" ومدى التعسف والقسر الذي مارسته المركزية السياسية في تعويق اي اتجاه للتنوير، على مستوى عزله عن عمل مؤسسات الدولة، وعن رؤية علاقته بالحاجة الى التنمية والبناء والتحديث، وعلى مستوى تعطيل دوره بالمساهمة في انضاج الافكار التي من شأنها تعزيز وتطوير حركة الأفكار في ابنية التعليم والاجتماع والسياسة والصحة والاقتصاد، واحسب أن تغوّل ظواهر الاستبداد والعنف والفساد والتطرف والكراهية والارهاب، ماكان لها أن تكون، إلّا بسبب التاريخ الطويل من العزل، ومن محنة الادارة الفاشلة للسياسة والاقتصاد والثقافة، والتي كرست الاستبداد والديكتاتورية نظاما للحياة، وجعلت من التجهيل والطاعة والخوف خيارا لها، حيث تعطيل الارادات، وتعطيب الوعي، وقهر المواطن تحت ضواغط العوز والفقر والحرب والظلم، وهذا ما يجعل حديثنا اليوم عن التنوير، ضرورة لازمة للحديث عن برنامج الاصلاح، لأن الاصلاح يتطلب وجود الانسان/ المواطن الحر الذي يدرك اهمية التنوير في تغيير مسار حياته، وفي اشباع حاجاته، وفي تهيئة البيئة المناسبة سياسيا وقانونيا واخلاقيا، إذ بات التنوير خيارا فكريا وانسانيا للعمل باتجاه مشروعية الدولة العادلة، الدولة المؤسساتية التي تتحول فيها السلطة الى خدمة عامة، والمسؤول الى موظف يدير بمهنية وبمسؤولية واعية وصادقة هذه الخدمة العمومية..
ولكي يكون حديثنا عن التنوير واقعيا، فإن الحاجة الى ربطه بالاصلاح السياسي والاقتصادي ستكون الخطوة الأولى على الطريق الطويل، ليس لأن السياسة هي قوة الفصل، بل لأنها المدخل العملي لانضاج عوامل التحول، ولاقتراح القوانين والتشريعات التي من شأنها شرعنة الاصلاح، وجعل التنوير جوهرا في برنامج الاصلاح الحكومي والمؤسساتي بشكل عام، وخلق رأي عام له القدرة على مواجهة الفساد والعجز ونزعات العنف والعسكرة، فضلا عن خلق فرص مؤاتية لتوسيع مديات التنمية في المجالات كافة، بما فيها التنمية السياسية والاقتصادية والثقافية.