ثراء الغناء العراقي وتنوعه

الصفحة الاخيرة 2021/08/10
...

سامر المشعل 
 
«الانسان ابن بيئته» مثلما يقول ابن خلدون، وهذه المقولة تنطبق بشكل جلي على الاغنية، لذلك نجد الاغاني تختلف بطابعها من منطقة الى أخرى، بحكم البيئة والعادات والتقاليد، فالاغنية في اوروبا واميركا عادة ما نجد كلماتها فيها تأمل وشحنة كبيرة من العاطفة ومضمون انساني يدعو للحياة والحب برومانسية عالية، يحلق المستمع لها مع الغيوم والنجوم أو الهرب في عيون الحبيب الى سواحل غير مأهولة، بقالب موسيقي يجر الحضور الى الرقص بسعادة وانتشاء. 
أما المصريون فقد غلفوا حزنهم بتطريب شفاف، يجعلك تستمتع بالتذاذ وذائقة متأملة بجمالية الطرب الشرقي.
بينما الغناء في افريقيا والسودان يختلف تماما، فنجد قرع الطبول والايقاع هو المسيطر على غنائهم، ويصاحب الغناء رقص بحركات جسدية يهتز لها قوام الراقص بالكامل، وهذا متأت من اعتقاد أن الموسيقى والطبول تطرد الارواح الشريرة من داخل الجسد، فيشعر الشخص بالراحة والتحرر.
في البادية والصحراء نجد الغناء يتسق مع طبيعة الصحراء والحدي مع الابل لمسافات طويلة في الصحراء، فيجدون في الغناء متنفسا روحيا لقساوة البيئة، ويرافق السيف بعض رقصاتهم، فهو رمز للقوة والشجاعة والدفاع عن الارض والقبيلة مثل رقصة «الدحة» التي تنتشر في المملكة العربية السعودية وبعض المناطق العربية، وايضا توجد في بادية السماوة، وعادة ما يمدون اصواتهم بالغناء حتى لتشعر بانها قريبة من اصوات بعض الحيوانات، أو عند مناداتهم لابلهم.
بينما في المناطق الجبلية فتكون الدبكة أكثر رشاقة ونشاطا وحركة منسجمة مع حركة صعود الجبل، وعادة ما تكون أصواتهم وموسيقاهم عالية، وتكون الوان الملابس التي يرتدونها زاهية وبراقة، انعكاسا لتنوع الوان الطبيعة في المناطق الجبلية، على العكس من المناطق الجنوبية التي يرتدي سكانها الالوان القاتمة واصواتهم تكون منسابة وحزينة ومنكسرة، بحكم انبساط الارض وطبيعة حياتهم المغلفة بالسوداوية والحزن والظلم.
واذا تركنا اليابسة واتجهنا الى البحر فسنجد غناء آخر مختلفا تماما عن كل ما تطرقنا له، حيث الغناء الجماعي الحماسي الذي يرافقه التصفيق الذي يبث في الصيادين والبحارة الطاقة والنشاط أثناء العمل في سحب الشباك أو الحبال أو المركب، فتسبح أصواتهم مع صعود وهبوط الموج، فالغناء بالبحر يصبح جزءا من طقوسهم التي تخفف عنهم رحلة شاقة للبحث عن رزقهم في عمق البحر بعيدا عن الاهل والاحبة مع مخاوف من تقلبات البحر وغضبه، وانتجوا لنا مجموعة من الالوان الغنائية والايقاعات الجميلة مثل «يا مال والنواخذ والخشابة».
 فضلا عن غناء الغجر الذين يسمون بالعراق بالكاولية والذين يسكنون عادة في اطراف المدن، ويتأثرون بالوان الغناء القريبة منهم ويقدمونه بطريقتهم الخاصة، وغيرها من الالوان التي لا يتسع المقام لذكرها.
الشيء الجميل ان العراق على الرغم من صغر مساحته، الا ان الله حباه بتنوع كبير في بيئاته الجغرافية وتعدد قومياته واديانه، فظهرت الوان مختلفة ومتعددة من الغناء وكل ما ذكرناه آنفاً هو موجود بالعراق من غناء مدينة وجبل وبحر وبادية، وغيرها، بل ان كل منطقة ومدينة لها غناؤها الخاص وطابعها، الذي يميزها عن المدينة الاخرى، وهناك غناء لكل قومية مثل الغناء الكردي والسرياني والآشوري والتركماني والكلداني.. الخ، وهذا انعكس بشكل كبير على ثراء وتنوع الغناء العراقي.