القوى الكبرى وصناعة الإرهاب

آراء 2021/08/10
...

  د. اثير ناظم الجاسور
قد ركزت أغلب الدراسات تحديداً في ثمانينيات القرن العشرين وحتى اليوم على تطور الجماعات المسلحة وعملية الصناعة والتدريب والتمويل والدواعي، التي أسهمت في انتاج هذه الجماعات، وراحت هذه الدراسات تتحدث عن تطور البناء الهيكلي لهذه الجماعات التي باتت تهدد الامن العالمي.
 
لكن اقتصر الحديث في تحديد تطور هذه الجماعات منذ العام 1979 (الاحتلال السوفيتي لأفغانستان)، ومن ثم راحت تدرس الأسس الفكرية التي استندت اليها هذه الجماعات من خلال النصوص والفتاوى التي عززت عملها وتطورها، سواء كانت خلايا ظاهرة تحارب في نقاط مختلفة من العالم او من خلال خلاياها النائمة او حتى من خلال نشر افكارها، التي باتت اخطر من السلاح على المجتمعات.
بالمقابل تم التركيز على جوانب معينة من تكوين هذه الجماعات التي أطلق عليها مختلف التسميات في سبيل السيطرة على هذه المنطقة او تلك او بسط النفوذ والهيمنة باسم الإرهاب وتفشيه.
ففي الأعوام التي تلت العام 1979 استطاعت الولايات المتحدة ان تساند وتؤسس مجموعة من الجماعات تحت مسمى الجهاد او كما يسمونهم بـ(مقاتليو) الحرية او (مليشيات ريغان) هذا ما سمح ان ينشب قتال دام عشر سنوات من العام 1979 -  1989 هذه العشر سنوات غربلت الجماعات وانتجت أخرى استطاعت ان تسيطر على المشهد الافغاني، هذا لا يعني ان هذه الساحة هي الوحيدة في العامل او تلك المنطقة، لكن التركيز عليها جعلها منطقة منتجة لهذه الجماعات بالتالي فهي منتجة لعدم الاستقرار، بعد صراع الجماعات الذي انتج واحدة من الجماعات المتطرفة (حركة طالبان) دار صراع داخلي بينها، هذا الصراع اخذ شقين الأول اجتماعي – قبائلي خصوصاً ان أفغانستان منطقة قبائلية تتسيدها قبائل الباشتون ذات الغالبية الأكثر بين القبائل، بالتالي فان الصراع اخذ منحيين الأول على السيادة والسيطرة لما لهذه المنطقة من أهمية، والثاني ان هذا الصراع انتج طبقة مهيمنة على السياسة والاقتصاد.
الشق الثاني هو شق دولي واضح بدعم الولايات المتحدة لهذه الجماعات دار هذا الدعم في مساحة الصراع ابان الحرب الباردة بينها وبين الاتحاد السوفيتي، وعملت على دعم وتدريب وتسليح الجماعات وهذا الجانب اشبع بحثاً ودراسة، لكن في الجانب الاخر تدور أسئلة كثيرة في ما يخص صناعة هذه الجماعات منها اذا كانت الولايات المتحدة هي من دعم واسس هذه الجماعات وساهمت في تطوير عملها في تلك المرحلة ضد السوفييت.
 لماذا أصبحت المصالح الاميركية هدفها بعد ان تسيدت الموقف في أفغانستان؟، خصوصاً بعد انتهاء الحرب الباردة وهيمنة الولايات المتحدة على الساحة العالمية وكانت احداث نيروبي ودار السلام دليلا على تصدع العلاقة بين الطرفين، انتهاءً بأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، قد لا توجد وثائق تُثبت حقيقة دول أخرى ساهمت في صناعة ودعم هذه الجماعات، لكن سير الاحداث يبين ان القوى الكبرى وبمساعدة قوى إقليمية عملت على دعم الجماعات المسلحة لضرب مصالح القوى الأخرى، وهذا لا يمنع من ان قوى مثل روسيا والصين وكوريا تعمل بالضد من الولايات المتحدة في حرب ضرب المصالح ومحاصرة الواحدة للأخرى في مناطق مهمة وحيوية.
هنا يقفز سؤال اخر حول المستفيد من تنامي هذه الجماعات ليس فقط في أفغانستان، بل في الشيشان ونقاط مختلفة من الشرق الأوسط سواء في سوريا او العراق وليبيا واليمن.. الخ من الدول، التي باتت ساحة مفتوحة للتدخل الدولي والإقليمي، بالتالي أصبحت عملية الحرب بالإنابة والتدخل بالضد من هذه الدولة او تلك وكانت الساحة السورية خير دليل بين الروس والاميركان، فروسيا وجدت لها موطئ قدم في هذه المنطقة بحجة محاربة الجماعات التي تدعمها الولايات المتحدة، بالمقابل بات الروس طامحين في زيادة النفوذ باسم جماعات أخرى تعمل بذات المنهج والفكرة، هذا يدل على ان القوى الأخرى هي لا تبتعد عن ذات المنهج الذي اتبعته الولايات المتحدة في صناعة هذه الجماعات، فكل قوة كانت مستفيدة من توغل هذه الجماعات وتناميها في المجتمعات، بالمحصلة أصبحت السلاح الذي يضرب الاقتصاد والسياسة وينافس الجيوش ويعرقل المشاريع على الرغم من اختلاف هذه المشاريع والاجندات.
اليوم تطمح القوى الكبرى ان تفتح صفحة جديدة مع هذه الجماعات، خصوصاً بعد الانسحاب الأميركي من أفغانستان.
سنجد ان قوى أساسية ستلعب دورا كبيرا في التعامل مع طالبان كروسيا والصين، وهذا دليل على ان الصراع بين هذه القوى ستختلف في المرحلة القادمة بالرغم من ثبات الأهداف والمسميات، إلا ان الأدوات بالتأكيد مختلفة، فالصين اليوم تجري مفاوضات مع طالبان من اجل تعزيز جبتها الخارجية في مناطق حيوية لها عمق سياسي واقتصادي، بالمقابل نجد تصريح طالبان واضحا بعدم السماح من استخدام الأراضي الأفغانية لمهاجمة الصين.
والمواطنين كبيرة للغاية، وهذا يعني أنَّ المسؤولين في واد، والمواطنين في واد آخر!.
وهذا هو الحال في العراق الجديد – للاسف الشديد-.