الخدمة في محرم

الباب المفتوح 2021/08/10
...

نجم الشيخ داغر 
من نعم الله التي لا تعد ولا تحصى ان جعل لنا محطتين روحيتين في كل عام، نحاول ضبط سلوكنا وما نعتقده وفقا لدلالاتهما العقائدية والاخلاقية، مرورا بكل ما نستطيع اكتشافه من دروس قد تكون تجلت للبعض بينما ما زالت في خانة الغموض لدى البعض الاخر.
تتمثل المحطة الاولى بشهر رمضان الذي جعله الله بمثابة رحلة روحانية تقربك من عالم البرزخ، ذلك العالم الذي يستقبلك بكفنك واعمالك فقط ، فضلا عن سعيك للمعرفة ورمي شهواتك وغرائزك وصفاتك الحيوانية بجمرات الارادة وعزم التوبة والاستغفار.
اما المحطة الثانية فهذه التي نحن بصددها اليوم وهي شهر محرم الحرام، هذا الشهر الذي اختير لأن يكون مرتبطا بثورة اصلاح الانسان الكبرى، وايضا للملحمة الالهية الحسينية التي ليس لها مثيل في التضحية والايثار وكل المعاني السامية التي تخطر ولا تخطر على البال.
نعم ان كان شهر رمضان يمثل البعد الغيبي الما ورائي لعملية الاصلاح النفسي والضبط الاخلاقي، فإن شهر محرم يمثل البعد الديني والاجتماعي الخاص بعملية غسل الانسان من ادران الخضوع لهيمنة السلطة الغاشمة، التي حاول بني امية ترسيخها في اذهان الامة عبر احاديث وجوب اطاعة الحاكم وان كان جائرا، فضلا عن اعادتها (الامة) الى جادة الصواب والصراط المحمدي بكل ما يحمل من معاني السمو والرفعة .
وان اردنا استثمار هذا الشهر بشكل حقيقي كما اراده صاحبه الشهيد، الذي عنون ثورته بكلمته الخالدة (انما خرجت لطلب الاصلاح في امة جدي)، وجب علينا ان نجعله بطانة لكل اعمالنا الموجهة للنفس او تلك المستهدفة المجتمع .
فعلى صاحب الموكب على سبيل المثال ان يكون حذرا من كتابة شعار الاصلاح الحسيني، بينما هو يخرب الممتلكات العامة مثل الرصيف والشارع، لأن الحفاظ على هذه الممتلكات هو من صميم عملية الاصلاح التي تطوع ان يكون خادما لها هو وموكبه .
وعلى الزائر ايضا ألا يتعب بدنه بأداء مراسيم الزيارة من خلال مسيره مئات الكيلو مترات، ان كان هذا المسير يخلف اطنان النفايات التي ينثرها في الشوارع، لكونه سيتعب صاحب الذكرى ويدخل الحزن الى قلبه، الامر الذي سيعطي مؤشرا الى ان ثورته لم تحقق غايتها بعد باصلاح الانسان .
وهكذا هو الامر بالنسبة للموظف المؤمن بشعار هذه النهضة الحسينية المباركة، وكل صاحب عمل او حرفة، فإن انتماءه ان كان حقيقيا فيحتم عليه ان يكون صالحا ومصلحا في الان نفسه، ومن ثم مبتعدا عن كل مظاهر الفساد مادية كانت او معنوية .
ويتركز وبشكل مكثف كل هذا التذكير، إن كان المشارك في العزاء او احياء الذكرى، مسؤولا او صاحب منصب ، لأنه يمثل السلطة التي خرج عليها الامام الحسين (ع) ان كان فاسدا، وبالتالي لا يورثه رفع شعارات الامام الحسين إلا نفاقا وبعدا عن الله.