تسوية الحساب بين الأحباب

اسرة ومجتمع 2019/02/24
...

حسين الصدر 
 
 
- 1 -
 
من الخطأ الفاحش الاتجاه الى هَدْم البناء الرصين المُحكم وتحويله الى أنقاض ، لمجرد نظرة زائفة ،حالة تشنج واحتقان ...
وهكذا هي العلاقات الاجتماعية ، والصداقات القائمة بين الناس ، فانها قد تتعرض الى بعض الاهتزازات، نتيجة وشايةٍ أو تأويلٍ خاطئ لمقال أو فعال ...
 
- 2 -
قد يحدث الشرخ في العلاقة بين الاب وأبنائه ، وبين الزوج وزوجته ، وبين الصديق وصديقه، فكيف يعالج الموقف ؟
انّ العلاج لا يكون بالتزام الصمت ، ولن يكون بقطع الصلة –لاسيما الصلة القائمة بين الأرحام –
وانما يكون بالاعتذار ، وتوضيح الصورة لازالة كل الالتباسات والأوهام.
وبهذا يسدل الستار على هذه النقطة السوداء التي شابت بياض صفحات العلاقة المتينة القائمة بين الطرفين .
وجاء في القول المأثور “ ما مُسيءٌ مَنْ اعتذر “
فكيف بمن لم يسئ ، وانما حملّوه الاساءة نتيجةَ قراءة بعيدة عن الدقة؟
 
- 3 -
وهناك العنيد الذي يأبى أنْ يقبل الاعتذار من أحد ، وَمَثَلُهُ مَثَلُ مَنْ يأكل مِنْ (رأس المال) ، ذلك أنّ (المرء كثيرٌ باخوانه) وهذا يفقدهم واحداً بعد واحد ، ليبقى في نهاية المطاف وحيداً .
 
- 4 -
ولا تتسع هذه المقالة الوجيزة للإطناب في هذا الباب ، ومن الجميل أنْ نقف على شيء مما جاء في الشعر العربي فنقول :
تأملْ ما قاله (أحمد بن أعثم الكوفي ت 314 هـ ) لتجد أنه لم يجانب الصواب 
قال :
اذا اعتذر الصديقُ اليك يوماً 
مِنَ التقصيرِ عُذرَ أخٍ مُقّرِ
فصُنْه عن جفائك وأعفُ عنهُ 
فان الصفحَ شيمةُ كلِّ حُرِّ
وقبول العذر المقترن بالسماح هو سيد الحلول .
وقال (ابو عبد الله ابراهيم بن محمد نفطويه ):
أقبلْ معاذيرَ مَنْ يأتيكَ معتذراً 
إنْ بَرَّ عندك فيما قال أو فَجَرَا 
فقد أطاعكَ مَنْ يُرضيك ظاهِرُهُ
وقد أَجلّكَ مَنْ يَعصيكَ مُستتِرَا 
انه يدعو الى قبول العُذر، حتى مع العلم بالمراوغة والكذب،دفعاً لدابر الفرقة .وهكذا يكون أصحاب المِعَدِ الهاضمة ...
وقال الصولي :
فهبني مُسيئاً مثلَ ما قلت ظالماً 
فعفواً جميلاً كي يكون لك الفضلُ 
فانْ لم أكن بالعفو منكَ لسوءِ ما 
جَنَيتُ به أهلاً فانتَ له أهْلُ
وعلى افتراض الاساءة من الصديق، فكنْ أنتَ صاحب الفضل في العفو والصفح عنه ، واذا لم يكن صاحبُكَ أهلاً لذلك فانّك أهلٌ له ...
وبهذا تنتهي المشكلات وتستمر العلائق والصلات .
وكنتُ قد أرسلتُ ابياتاً الى صديق عزيز عليّ ، فقرأها على أنها شتيمة له وتعريض به، فكتبتُ اليه موضحاً الأمر فأجاب : رسالتُكَ كافية لأنْ ترفع عن العين غشاوتها .
(طبتَ وطابتْ أيامُك ولا حرمنا الله من دعواتك ) 
وكان لجوابه وَقْعهُ الكبير في نفسي ، وبهذا طويت أخبار تلك القصة ، والحمد لله رب العالمين .