بين عالمين

اسرة ومجتمع 2019/02/24
...

عدوية الهلالي
 
كانت بطلة الاساطير اليونانية ( انتيغون) تعتبر الزواج انتقالة من عالم البراءة والنقاء الروحي الى العالم المادي ، وكانت تعذبها فكرة اجتياح رجل لعالمها وامتلاكه جسدها ومصيرها وكأنه يستلب حريتها الحقيقية على الرغم من انها كانت تحب الرجل الذي تزوجته، لكن مفهوم الحب لديها يختلف تماماً عن مفهوم الزواج وكأن الزواج عملية تدنس روحها وتفقدها خصوصيتها وتصالحها مع نفسها ..
واذا كان هذا المفهوم الفلسفي لدى انتيغون فريداً في طرحه ولم يجد له مؤيدين في واقعنا العربي، خصوصاً لسيادة فكرة ان الحب الحقيقي هو الذي يتكلل بالزواج ، فانه ربما أصبح يشغل أذهان بعض النساء مؤخراً ، ليس لأن الزواج يقتل البراءة والنقاء، كما كانت تظن انتيغون اليونانية بل لأنه انتقالة من عالم حرية القرار وحلاوة الخصوصية وتدليل الاهل الى عالم طاعة الرجل وفقدان القدرة على اتخاذ القرارات الفردية مادياً ومعنوياً وتعويد النفس على التأقلم مع رجل غريب وأسرة مختلفة الطباع والامزجة وربما البيئة واسلوب الحياة – اذا ماتوجب على الزوجة العيش في منزل أهل الزوج – بل يصل الأمر احيانا الى التنازل عن رغبات وطموحات عديدة او التنازل عن الكرامة واحترام النفس احياناً، لارضاء الزوج أو اهله وبالتالي المجتمع الذي يجد اعتراض المرأة على تلك الانتقالة مابين عالمين او حتى تذمرها ( بطراً ) ورعونة قد تستحق عليها العقاب !!
لو نقبنا في اعماق أية امرأة ، مهما كانت قوية ومتماسكة وعاقلة سنجد مادة هشة ، قابلة للكسر..تلك هي روح الانثى التي لم يأت تشبيهها بالقارورة اعتباطاً، فهي معرضة للعطب امام أية صدمة او جرح ..ربما يختلف رد فعلها – حسب شخصيتها – فقد تعلن عن ضعفها واستسلامها وتتخذ الدموع سلاحاً، لدرء الخطر عنها ، وقد تقف بكل قوة وتحد، لتقاوم وتصمد وتستعيد حقوقها ، أو تستخدم العقل والهدوء كمسكن لآلامها وتجعل من حكمتها سلاحاً، تواجه به كل من يحاول استلاب عالمها ..هي في كل الاحوال تحتاج اذن الى اسلحة وكأنها تخوض حرباً صعبة تتطلب منها الحفاظ على انوثتها ووداعتها والدفاع عن ذاتها في الوقت نفسه ، وتكمن صعوبة هذه الحرب في عدم تفهم اغلب الرجال والمجتمع عموماً لحاجات هذا الكائن الرقيق ( المرأة) ولأحاسيسها الشفافة القابعة في اعمق اعماقها فهي مطالبة بأن تتأقلم وتعود نفسها على كل الظروف وتتعلم السمع والطاعة بلا نقاش او توضع في خانة التمرد والاختلاف عن بقية الركب الصاغر والذي يجد في حلاوة ظل الرجل تعويضاً عن كل الخسارات وكأنه الكوكب الذي يجب أن تدور المرأة في فلكه فقط..ربما يحتاج الرجال الى لحظة يتوقفون فيها عن التفكير بأن التي امامهم هي حبيبة أو زوجة او ام فقط وينظرون اليها ككائن رقيق ..كـ ( قارورة ) معبأة بالمشاعر الدفينة تحتاج الى الحب والاحتواء والاحترام لكي لاتخرج من تلك القوارير الرقيقة (انتيغونات ) جدد ..