في المواطنة

آراء 2021/08/12
...

 د. علي المرهج
لا قداسة لعنصر ولا لقوم ولا لطائفة ولا قداسة في فهم الدين سواء كان مصدر هذا الفهم فقهياً أو فلسفياً، لأن مرجعيات هذا الفهم هو العقل البشري، والعقل البشري تحكمه ظروف زمانية ومكانية، وهذه كلها تخضع لشروط التاريخانية، لا لشروط المطلق
 وهنا تكون كل معرفة نمتلكها عن المقدس هي معرفتنا نحن لا المقدس بحقيقته المتعالية، لذلك تبقى المعرفة البشرية نسبية ومتنوعة حتى وإن كانت تعتمد في مصدريتها النص المقدس. هذا الرأي ينسحب بدوره على  أصحاب فكرة {الفرقة الناجية} ليس في الدين فقط، بل على أصحاب فكرة {الكمال المطلق} و{شعب الله المختار}. فلا يفضل عنصر على آخر في الوطن الواحد وفق شكله أو معتقده أو دينه، إنما يفضل على أساس انتمائه المواطني ورجاحة عقله وسعيه لاستخدام هذا العقل في قبول فكرة {التعددية} و{الاختلاف} و{التنوع}. وهذا الأمر يدعونا لمغادرة فكرة {القائد الضرورة} و{الزعيم الملهم} و{البطل المنقذ} و{القوي الأمين} وفكرة {التفوق التاريخي} بعبارة القمني بوصفنا كنا {خير أمة أخرجت للناس}، وألا نغرق في {متاهات الفكر الإسطوري الغيبي الاتكالي المنغلق على ذاته} المنذر بخروجنا من التاريخ. الفكر الذي منح {الوعاظ} وحدهم دون بقية الأمة حق الكلام في العقيدة وباسمها، وكأن باقي الناس من مختلف طوائف الأمة قاصرون، وصيروا أنفسهم وكأنهم ضمير الأمة، حتى جعلوا من الوعي الطائفي بديلاً عن الوعي الوطني ومزجوا الوعي الطائفي بالوعي الوطني، وكأن الأول (الطائفي) صار مقياساً للوطنية محل الثاني. إن هذا الفكر هو الذي مزق أمة العرب والمسلمين وهو الذي مزق العراق، حينما حارب صدام الكرد وأراد قسراً إلغاء هويتهم القومية، وهجر الكرد الفيليين على أنهم من الفرس، واضطهد الشيعة للشبهة المذهبية بينهم وبين شيعة إيران، ونسيّ أو تناسى عن قصد أن شيعة إيران هم من تبعوا مرجعية النجف لا العكس، ولم يكن سنة العراق منأى عن رعونة حكم صدام الفاشي، حينما جعل من {التكارتة} سادة وباقي السنة من الدرجة الثانية. فصار العراق أشتاتاً، ولم يتعظ ساسة العراق الحاليون من صدام، بل صار الضحية نسخة من الجلاد.
لم يستطع معارضو صدام الذين مسكوا زمام الحكم بعد عام 2003 من تجاوز عقدة (الجلاد والضحية) لتتبدل الأدوار ويكون الجلاد هو الضحية ويحكم المجتمع باسم الحق والحقيقة، بوصفه المعارض الذي من حقه حكم البلاد بعد الاطاحة بالجلاد، ولكنه لم يستطع تجاوز (عقدة  المظلومية)، التي وظفها ليكون هو الماسك بالسلطة على أنها حق وهبه الله له، ولم تكن أميركا سوى وسيلة لتمكينه منه!.
لم يكن وما زال من حكم العراق بعد عام 2003 يحكم العراق باسم الديموقراطية، لأنهم تعاملوا معها بوصفها وسيلة للوصول للحكم لا منهج حياة يليق بالعراقيين، لذلك صنعوا لنا (الديموقراطية التوافقية) التي هي بمضمونها سلب للديموقراطية باسم الديموقراطية ذاتها، لتكون {المحاصصة} الطائفية والاثنية (العرقية) هي أسلوب الحكم، الذي ظهرت نتائج فشله جليّة وواضحة في كل حكومات ما بعد صدام.
لقد خلقت أميركا ديموقراطية هجينة في العراق على أساس {المحاصصة}، فأرست بذلك نمط حكم لا يُمكن إصلاحه لأنه يقوم على أساس الحق الأثني والمذهبي في المشاركة بالحكم، وهذا النوع من أنواع الحكم يكتنز في داخله عوامل هدم دولة المواطنة والمساواة في الحقوق والواجبات على أساس {التربية المواطنية}.
لا تُبنى الدولة على أساس مشاركة المكونات وفق اختيار نسب المكونات، ويتحكم باختيار الممثلين لهذه المكونات قادة الأحزاب على أساس الولاء لهم لا الولاء للوطن.
الوطن هو النسبة الثابتة، والوطنية هي مقياس التمثيل لمكوناته.