القراءة الوقائعيَّة وتجلياتها الجماليَّة في مسرحيَّة الشعبة مكبث

ثقافة 2021/08/12
...

  د . سعد عزيز عبد الصاحب 
 
ينتمي نص عرض مسرحية (الشعبة مكبث) لمصطلح ما بعد الدراما وسماتها التي تنطلق مشكلة نصها من نصوص متعددة ومشارب مختلفة، فالنص الذي سمعناه من على خشبة مسرح النجاح في بغداد بتاريخ 2/8/2021 كان نصا علائقيا تناصيا بامتياز يستحيل على الثبات والظهور بمسميات صريحة كما جاء في فولدر العرض، اذ نقرأ تأليف (فكرت سالم ورضاب احمد) وسمعنا على افواه الممثلين حوارات ومنولوجات شكسبيرية خالصة ولا اثر لشكسبير في فولدر العرض، فنحن امام مشهد الخنجر الشهير ومشهد البواب والساحرات وغيرها من منولوجات مسرحية مكبث الشهيرة الراسخة في الوعي الجمعي هذا من باب الامانة الادبية.. شغل المُعِدَّان نسق الجريمة في مكبث والطموح غير المشروع ومتوالية القتل المستمرة للحصول على السلطة وموت الاب وعقم السلطة، فالملك عقيم وهي ثيمات اساسية في مسرحية مكبث وظفها المُعِدَّان بمهارة واضافا لها حواريات يومية (شعبية) لتشكيل متن حكائي افتراضي يسرد حياة مجموعة مدرسين داخل صف دراسي بعد مقتل مديرهم (مكبث) والبحث عن القاتل، لينفتح نص العرض على احالات تأويلية ذات دلالات وقائعية مرتبطة بالحدث العراقي ومآسيه بمنولوجات فردية تحكي قصص الاضطهاد والرعب والممنوعات الاجتماعية والثقافية التي يمارسها المجتمع على الفرد ومن ثم السلطة على الفرد.
 
القراءة الإخراجيَّة:
عالج المخرج (فكرت سالم) مضامينه الدرامية بشكل اخراجي اعتمد تقنية البناء والهدم المستمر، والتكرار الادائي اللفظي والحركي في عمل الممثلين ليحرر شخصياته من غلالة الذنب والجريمة التاريخية التي اقترفتها، وبتقنية التمثيل داخل تمثيل فتكرار مشاهد العنف والقتل هي عملية تعويض نفسية عن الاثم والاقتراف الرازح في نفوس الشخصيات لتتطهر من ادران الجريمة، فكلنا مشتركون فيها إذ لا احد فوق الشبهات والجميع مدانون في انتاج السلطات الدموية المتوالية، تكمن البراعة الاخراجية للمخرج (فكرت سالم) في الضبط الحركي للممثلين والتناغم الايقاعي البصري واللفظي وحضور اعادة انتاج مرآوية ليوميات الشارع بأسلوب جمالي عال، فمشهد التدخين الذي اعطى دلالة لمجانية الموت في بلادنا إذ اصبح الموت كشربة سجارة لا اكثر في توصيف بليغ ومؤثر لا يحتاج الى تفسير او شرح.
 
الفضاء الممسرح:
تشكل الفضاء المسرحي في المسرحية الذي صممه السينوغراف (بيان نبيل) من فضاء مفتوح خالٍ إلا من كراس تتغير وضعيتها التشكيلية على مدار العرض الى ان نصل للحظة غلق الفضاء بالبوابة الخلفية وما وشم عليها من علامات لمعادلات رياضية وشبابيك جانبية اربعة ادت دلالاتها التأويلية وكأننا امام سجن مغلق او غرفة كبيرة من غرف (الشعبة الخامسة) حيث تجري عمليات التعذيب بتلاوينها المتعددة، بقي الفضاء استاتيكيا جامدا الا من حركة الممثلين عليه ومحاولات عديدة لتوظيفه لكن من دون جدوى، إلا ان عمل الممثلين واكسسواراتهم وتحولاتها كالحقائب الدبلوماسية التي تحولت الى لابتوب ومكان تحفظ فيه العرافة او الساحرة احجارها وهي تقرأ طالع الشخصيات ومستقبلها، وعصا التبختر التي تحولت الى اداة كشف للمتفجرات اضافة لوظيفتها الايقونية، اعتمد المخرج على لعب الممثلين في الفضاء لتوليد الدلالات البصرية التي كان معظمها يدور في فلك الجريمة وتوابعها لتنفيذ الحدث الوقائعي كالقتل على الهوية والتعذيب في السجون في اشارة الى استمرار الجريمة على الرغم من تبدل
الازمان.
 
تنوع الأداء التمثيلي:
حاول الممثلون برشاقة اجسادهم ومرونتها واصواتهم التي تباينت في قوتها ان ينفذوا انساق المعالجة الاخراجية التي خطط لها المخرج والتي تعتمد على فرضية اللعب والتكرار، فنحن اذن امام ممثلين لاعبين وليسوا ممثلين تقمصيين كما في الواقعية النفسية، ممثلون ينتجون حالاتهم النفسية من الخارج الى الداخل في ضوء استعدادهم الجسماني المختلف لخلق (بايوميكانك) متغير باستمرار لشحذ الداخل وانتاج المشاعر المختلفة.. فهل نجحوا في ذلك؟، أزعم أنهم تباينوا في اداءاتهم التمثيلية. 
فالممثلة (رضاب احمد) امتلكت مرونة جسدية وتحولات شعورية وصوتية وضعتها في قمة الهرم الادائي في الشعبة مكبث اذ استطاعت ان تمسك بتلابيب المتلقي في ضوء قوة صوتها ووضوح ألفاظها وجرأتها على خشبة المسرح وفضحها للمسكوت عنه والمضمر اجتماعيا وقوة تحولاتها ما بين شخصيات الليدي مكبث والساحرات وصوت مكبث نفسه، وكذلك الممثلان (ناجي حسن) و(احمد نسيم) امتلكا حضورا طاغيا واسترخاء ادائيا ووضوحا صوتيا فكانا جوهرتي العرض الذكورية وخصوصا الاول، يضاف لهما اداءات (زيد الملاك) و(اسماعيل علاء) اللذين كانا على موعد مع الابداع إلا في بعض حالات خفوت الصوت وادغامه وخصوصا لدى (الملاك) الذي كان عليه ان يغادر الاداء التلفزيوني وينفتح بصوته وجسده على الاداء المسرحي، وهنا اشير الى ضرورة الانتباه الى ان قوة الصوت ووضوحه لا تقلل من فاعلية استرخاء الممثل او تجعله متشنجا كما يعتقد البعض لان اهمية وصول المعلومة من خلال الصوت الواضح والمفهوم اهم من لحظات استرخاء لا نفهم منها ما يقول الممثل ويرمي اليه من معانٍ.