محمد صالح صدقيان
تَتساقط رقعة الدومينو الواحدة بعد الاخری في افغانستان لتكشف عن جديد هشاشة ما بناه الاميركيون خلال 20 عاما. في الحقيقة لم تبن القوات الاميركية لا مدرسة ولا مستشفی ولا شارعا وانما قالت انها تريد ان تقضي علی الارهاب وتحديدا الثلاثي المزعج طالبان والقاعدة وداعش بعدما دمروا برج التجارة العالمي في نيويورك.
وقالت ايضا انها عملت علی تدريب جيش يستطيع الدفاع عن المكتسبات التي حققتها في افغانستان. وقالت كذلك انها بذلت جهودا لقيام جيل جديد في افغانستان قادر علی مواجهة افكار "طالبان" المتطرفة ودعم نظام سياسي قابل وصالح لاستيعاب مختلف التيارات الحزبية والقبائل وتمثيلها تمثلا عادلا في مؤسسات الدولة . لا ادري اذا كان قد تحقق شيء من ذلك؟ واذا تحقق فان كله الان معرض للانهيار مع عودة الايديولوجيا المتطرفة التي تنتمي الی افكار ونظريات متشددة لتتحكم في افغانستان.
الكل قلق الان من التطورات المتسارعة التي تحدث في افغانستان. البعض يقول ان الاسابيع المقبلة ستشهد سقوط العاصمة كابل؛ لكن معلوماتي تتحدث عن موت سريري لهذه العاصمة بمعنی انها علی هاوية السقوط بيد طالبان وانها لا تحتاج الی عناصر طالبان لتدخلها من الخارج حيث تقف علی بعد 50 كيلومترا منها وانما ستسقط بيد الخلايا النائمة في كابل منذ عشرين عاما. انها تنتظر ساعة الصفر وهي اتية لا ريب فيها .
ما يقلق الشعب الافغاني الذي لم يهدأ طوال اربعة عقود؛ وما يقلق دول الجوار هو عدم معرفة مسار هذه التطورات؛ كيف ستتعامل طالبان مع المواطنين؟ كيف تتعامل مع بقية الاحزاب والفصائل والمكونات؟ كيف تتعامل مع عناصر الجيش ومع المؤسسة العسكرية الافغانية التي بنيت خلال العقدين الماضيين؟ ماهي مخرجات الاتفاق الذي تم بين الجانب الاميركي مع طالبان في العاصمة القطرية الدوحة عبر المندوب الاميركي زلماي خليل زاد؟ وقبل ذلك كله هل ان طالبان 2021 هي ذاتها طالبان 2000 ؟ هذه الاسئلة وغيرها ربما لا تستطيع ان تجد لها اجوبة جاهزة بسبب تعقيد الاوضاع والتطورات.
لا ادري هل كان الرئيس الاميركي جو بايدن محقا ان ينفض يده من هذا البلد متذرعا بان وظيفة الولايات المتحدة ليست ان تقرر مستقبل افغانستان نيابة عن شعبها؟ لكن الذي اعرفه ان انسحاب القوات الاميركية بالشكل الذي حدث لا يوجه رسالة مطمئنة لحلفاء اميركا بانها تقف معهم حتی وان تضارب ذلك مع مصالحها الخاصة. واعرف ايضا انها ارسلت رسالة واضحة المعاني انها لا تری حرجا في ترك ساحات الصراع لخصومها "ان كان طالبان خصما" يستفيدون منها ويوظفون نفوذهم فيها علی حساب مصالح اميركا وضد خصومها، واذا ما تركنا الشعب الافغاني يواجه قدره مع طالبان؛ فان دول الجوار تراقب الاوضاع بدقة لان كل الاحتمالات لا تخدم الامن الاقليمي الذي يؤثر في امن هذه الدول.
لا اعتقد ان المبعوث الاميركي زلماي خليل زاد الذي ينحدر من اصول افغانية يستطيع ان يقنع طالبان بشراكة مع بقية الفصائل في ادارة الدولة بعدما سيطروا علی الارض وتدحرج قطع الدومينو الواحدة تلو الاخری لصالح طالبان. شخصيات حكومية تشارك في الحوار في الدوحة تعتقد ان طالبان تسيطر علی الولايات الافغانية بضوء اخضر من الجانب الاميركي باعتبارها القوة الحقيقية التي تستطيع السيطرة علی افغانستان؛ بينما تری اوساط اقليمية ان سيطرة طالبان يراد منه احراج جميع دول الجوار وبالتالي ان العلاقة التي بنتها واشنطن مع حركة طالبان منذ بدء حوار الدوحة قبل سنتين ربما يستطيع تحقيق المصالح الاميركية خصوصا وان هذه الدول "الصين؛ روسيا؛ ايران؛ الهند؛ اوزبكستان؛ تركمانستان" لا تملك مع الولايات المتحدة علاقات يحسد عليها. الحلقة الاضعف في هذه الدول هي ايران لانها لا تستطيع استيعاب المزيد من المهاجرين كما حدث في تسعينيات القرن الماضي حيث احتضنت في وقت ما 4 ملايين افغاني علی اراضيها. الان الوضع اختلف في ظل ضائقة اقتصادية وضائقة "جائحة كورونا" ولذلك فهي تأمل النجاح مع طالبان في اقناعها لتسوية سياسية في كابل تستطيع ان تقف بوجه اي توتر سياسي او منزلق امني لا يخدم جميع الاطراف المعنية بالشأن الافغاني.