نوافذ ومنصَّات معرفيَّة

ثقافة 2021/08/16
...

  حبيب السامر 
 
كثيرة جدا هي المواقع الإلكترونية التي ظهرت مع تدفق نبضات الإنترنت في العراق، توزعت.. تشعّبت وصارت ملاذا لنصوص حقيقية وقتذاك.. وفي ذات الوقت، بدأت المواقع الصغيرة والهجينة تظهر كالعشب في حدائق متروكة، إلا أن المواقع الرصينة ظلت تستقطب الأسماء المهمة في الساحات الثقافية، وانفتحت أيضا على الترجمة مع أرشيف مبوّب لما ينشر، يساعدك في العثور على النصوص التي ربما لم يحالفك الوقت لمتابعتها، فعلا، كنا ننتظر تحديثات بعض المواقع للاطلاع على أبواب معرفية كثيرة، ضمن تبويب جميل لنوافذ متعددة، هذه المواقع التي زادت فينا شغف القراءة ومتابعة أسماء لم تصلنا وقتها، والتي تعد صارمة في قبول النصوص بمختلف أجناسها وتنوعها، إذ ينتظر الكاتب والأديب مدة ويرى نصه منشورا بتنسيق لافت.. وتحت النص يكتب عادة (الإيميل) للتواصل بين الكتّاب، وتتميز بعض هذا المواقع الإلكترونية كونها تعتمد مهنية ثقافية مستقلة، لنشر الأدب الجديد من العالم العربي بمختلف إجناسيته، وتقدم لنا ترجمات مهمة من الأدب العالمي. والأجمل أيضا تجدها مفتوحة على كل التيارات الأدبية ومناخاتها الإبداعية. وقتها لم تكن هناك مواقع تواصل اجتماعي إلا المواقع الأدبية المعدودة، التي يشرف عليها بعض أدباء وكتاب لهم بصمتهم وحضورهم الفاعل، كنا نتابع الأسماء المهمة وهي تشرق على صفحات هذا الموقع الأدبي وبتحديثاته المستمرة، مع بقاء المادة التي تحتاج متابعة في وقت ما. 
وهنا لست بصدد تقييم المواقع والمدونات التي كانت سائدة والتي احتوت على عدد كبير من المتابعين والكتّاب وتميزت برصانتها من خلال منبر المعرفة والاتصال والتواصل مع الآخرين، لما تحمله من سمات تجعلنا نمضي أوقاتاً مهمة في تتبع حركة نشرها كونها تمثل موسوعة أدبية وفنية وتستقطب الأقلام المميزة التي رسّخت قدرتها الإبداعية في الساحة الثقافية، وتعد بعض المواقع الأدبية الأخرى بنك معلومات، للاستزادة من ينابيع إبداعاتها وما تتناوله من أدبيات جديدة، بعض هذه المواقع انسحبت فجأة، والأخرى أغلقها أصحابها مع تنامي وسرعة صفحات التواصل الاجتماعي التي ينشغل فيها أغلب المثقفين في نشر نتاجاتهم، وحالاتهم الخاصة والعامة، وبالمقابل كانت هناك مواقع تلاشت وانتهت مع الأيام، لأنها لم تنتبه الى تأثير منشوراتها في الذائقة الأدبية والتلقي المستمر، لذلك حافظت بعض المواقع على رسوخها المعرفي وديمومة أدواتها والمحافظة على وقتها في إطلالة ثقافية. مع استمرار بعض المواقع المؤثرة والتي أكدت صورتها وصوتها الفاعل في المجتمع، ظهرت مواقع للقراءة وتحميل الكتب الإلكترونية التي فسحت المجال للقراءة المرئية بشكل كبير، من خلال توافرها على مكتبات ومنصات مهمة لنشر الإبداعات والنتاجات الثقافية، وهنا أيضا مواقع أخرى في جوانب البحث العلمي وكل ما يخطر في تصوراتنا تجده في مبحث العم (كوكل). 
وهذه الصفحات ساعدت على ظهور كتابات ناضجة نحرص جميعا على انتظارها، وأخرى منحت أنصاف المثقفين وربما أرباعهم الى ظهورهم وإرباك وقتك في تصفحها أحيانا، وبالمقابل هناك صفحات رصينة ننتظرها بشغف كبير، ونتابع كل ما يُكتب فيها، نعم، على الرغم من بقاء بعض المواقع والمنصات الإبداعية تمارس حقيقة الفعل الثقافي وتهتم بالكتابة المبدعة، لتطلعها الناضج لجعل عالم القراءة والكتابة أرحب العوالم. حقيقة أن المواقع الرصينة تكسب أسماء معرفية تبصم إبداعها وتظل تنسج خيوط تواصلها مع الحياة لتترجم الأفعال الثقافية التي ترسم دلالاتها بعمق تجربتها، لذلك نحتاج إلى مواقع لديها مرشِحات معرفية وإبداعية وتمارس سلطتها تنشر ما يستحق النشر بعيداً عن الدغل البري، الذي ينمو قريبا من الأزهار ويشاركها الغذاء ويحكم قبضته أحيانا على عنق نموها، كم نحن بحاجة الى قلب الطاولة على من يدّعي الثقافة ويحاول أن ينمو كما العشب الذي يزاحم الوردة على عطرها؟.