الايديولوجيا وتمثلاتها الفلسفيّة

آراء 2021/08/16
...

 صلاح الموسوي
يستجيب كتاب الدكتور علي حاكم صالح (الأيديولوجيا وتمثيلاتها الفلسفية في الفكر العراقي الحديث)، لحاجة اكاديمية ونقص مشخص في المكتبة العراقية للدراسات والبحوث الفلسفية والفكرية المواكبة لحراك المجتمع العراقي منذ تأسيس دولته الحديثة عام 1920.
 
واذا كان البعض يعيد أسباب المآل الكارثي للدولة العراقية الى ظاهرة (التخلف السياسي) لآليات الحكم ومنازعة الطائفية والعشائرية لأصول الحكم المدني الرشيد، فإن دراسة الدكتور علي صالح تحاكم التفلسف والتنظير الذي بادر اليه مفكرون عراقيون لتعضيد ايديولوجيات سادت الوعي العراقي العام، وكان قسما منها أتى وافداً من بلدان اخرى، واستطاعت ان تؤسس احزاب شعبوية كبيرة، وقد تمكن بعضها من استلام الحكم في الدولة العراقية كالتيار القومي والبعثي، الذي شغل السلطة معظم الزمن الممتد بين بدايات تأسيس الدولة العراقية لحين سقوطها بفعل الغزو الأميركي، والتيار الاسلامي الذي شغل مرحلة ما بعد 2003.
اذ لم يظهر في المشهد الفلسفي العراقي الحديث من قرأ اجتماعيا المفاهيم الأساسية التي يستند اليها التفكير الأيديولوجي، بل ظهر هذا الموقف من داخل الفكر الاجتماعي، وسبب ذلك، ان الفلسفة، التي هدفها الفهم والتفسير أهملت في الفكر العراقي، تفسير الواقع الاجتماعي، كما غابت العلوم الاجتماعية، لاسيما الفكر الاجتماعي الوطني، عن اطارات الدرس الفلسفي في العراق ومضامينه، والسبب الثاني هو ان معظم النتاج الفلسفي كان في خدمة ايديولوجيات معينة، وليس سائغا لنتاج كهذا ان يشكك في اسس كل تفكير ايديولوجي، وهو الايمان بالعقل والحقيقة الأداتين، أي لا بد من مصادرات ومسلمات ينطلق منها هذا الفكر، والحقيقة القومية او الماركسية او الدينية مصادرة اولية. اما وظيفة العقل ودوره، فهو عقلنتها وتسويغها نظريا، هو دور اجرائي لازم عن هذه الحقيقة وليس منتجا لها.
يتتبع الكتاب ملخص آراء أهم المنظرين العراقيين بما يتعلق بمحاولات التقعيد والشحن المثالي للأيديولوجيات السائدة، ومن هؤلاء القوميين فاضل الجمالي وعبد العزيز الدوري وعبد الرحمن البزاز وياسين خليل وسعدون حمادي، والماركسين حسام الدين الألوسي وهادي العلوي، والإسلاميين السيد محمد باقر الصدر وعماد الدين خليل، كما ويتناول آراء علي الشرقي وعلي الوردي باعتبارهما اقرب الى تمثيل تيار (الوطنية او العراقية) والذي تميز عن التيارات الأخرى، بجهوده لايفاء الواقع المعاش حقه، بالتحليل واستخلاص الحلول الاجتماعية بدلا من تبخيس الحتمية في مفعول عناصره واهمالها لصالح يوتيوبات برسم المستقبل، وتوزع الكتاب بين ثمانية فصول، الدولة العراقية الحديثة البداية والشرعية، سردية الأمة العربية، ايديولوجيا حزب البعث، الفكرة الماركسية والأيديولوجيا الشيوعية، الماركسية منهجا ورؤية، الفكرة الأسلامية من الأصلاح الى الأيدلوجيا الثورية، بناء الفكرة الأسلامية نظريا،، الأجتماع العراقي هوية 
وطنية.
ينتمي الكتاب اولا الى عائلة الكتب الحادة والجادة في امانتها المنهجية والسعي العلمي لفهم العلاقة بين الفلسفة والايديولوجيا من جهة والجدل الرابط بينهما وبين الأسس الاولية لتركيبة المجتمع العراقي ودولته الوليدة بمقاييس نظرية (الدولةـ الأمة) التي ابدعها الفكر الغربي، واستمرار تداخلات وتجاذبات أقنومي (الداخل - الخارج) في المسارين العملي والنظري لتطور الدولة والمجتمع العراقيين. 
وثانيا ينتمي الكتاب الى ما يمكن تسميته بالصحوة في الثقافة العراقية لسد الثغرة البائنة في ما يخص الاهتمام بشؤون الفكر والفلسفة عموما، وذلك قياسا بطغيان الهم الأدبي في العطاء الأبداعي العراقي وكذلك الأيجابية في المقاربة الفكرية والفلسفية للمحلي، بعيدا عن مغريات الكوزوموبوليتاني الذي يناغم ذاتية الكاتب او الباحث على حساب استحقاقات الهم الاجتماعي والوطني العام.