عاشوراء فرصة للتحول

آراء 2021/08/16
...

  ناجي الفتلاوي 
 ذاك الذي يثقل جيوب عقله بافكار ميتة او بأخرى مميتة هو شبيه بتلك التي اثقلت جيوب معطفها بالحجارة لتغرق، بين المثال الاول والثاني ثمة وشائج بالدلالة والاقتفاء، فمن قيد عقله قيد الفرصة وضل الطريق وتاه عن الدهشة والاستفهام فقبل بالراكد من الافكار.
الامام الحسين (ع) مدرك لطبيعة ما يجري ويعرف ما آلت اليه جهود القوة الناعمة آنذاك، والتي انضجت سيناريو الانقلاب الكامل على شريعة النبي الخاتم محمد (ص)، لذا وجد عليه السلام ان المنهج في اعادة النصاب هو البدء بنهضته التحولية التغييرية، كي يعيد الحياة الى جوهر الاسلام عبر تثويره للسؤال والاستفهام والدهشة الواعية المنتجة للتحول المبصر، ان منظار الانقلاب أوجد روبوتات زقت بافكار بلادتها تديم الركود فكان الحراك الحسيني في سنة 61 هـ، كربلاء باللحاظ اعلاه هي فرصة للتحول المبصر، ولكن فرصة لمن؟ وكيف تكون فرصة في زمن الاختلالات المعيارية؟ ثم ما المعيار الذي نقول من خلاله ان هذه فرصة وتلك ليست بفرصة؟ أليس من الأحرى أن ننبني وعيا مدركا بان كربلاء هي الفرصة المؤاتية، لكنها الفرصة المؤجلة والتي بالامكان ان تكون فرصتك انت او فرصتي انا او فرصة ذاك او فرصة هذه او فرصة تلك او فرصة الجميع؟ أليس من الجدير بنا ان نغير كما غير الحسين (ع) والحال أننا ان لم نتغير، فاننا سنصبح ضحايا التغيير؟ لقد شاع الاعتقاد بان التغيير يؤدي الى الإرباك والاضطراب وربما يصل الامر الى حدوث الازمات والكوارث، والحال نحن نريد أن نتغير أن نتحول لكن القدرة التي يمتلكها المعصوم، ليست عندنا لا نمتلك مصداقها فهي، فضلا عن حلول المبضع فانه يمشي معها وبجانبها حلول التوفيق، بالتالي سيحصل من التغيير المطلوب العكس وهو الارباك والاضطراب،عندها ماذا نفعل؟ و حتى يتكون لدينا قدرة حقيقية على التحول وبناء الافكار، استنادا الى المضيء من تراثنا وخاصة نهضة الحسين (ع) هل يجب أن يتشكل لدينا وعي العصر عند الفقيه ووعي التراث لدى المثقف؟.
ولغرض التقريب، ثمة مقولة للرئيس الاميركي (ودرو ويلسون)  1924  تـ يقول (اذا اردت ان يكون لك اعداء فحاول تغيير شيء ما) والحسين سلام الله عليه لم يكن يرغب بايجاد اعداء له، ولكنه نشد التغيير والتحول المبصر في امة جده قبالة قعقعة للسيوف وتصحر للعقول ونكوص في العقيدة. اليوم هل التحديات بوجه التغيير المبصر هي اكثر عمقا من تلك التي كانت في زمن الحسين (ع)؟ ولننظر الى ما يقوله أحد العلماء   (تغيير العالم يحتاج إلى مجموعة كتب، ومنضدة صغيرة، وفراش بمستوى الارض، ووسادتين، وقلب يسكنه الله) والمشكلة ليست في العناصر الاربعة الاولى، بل في العنصر الاخير (قلب يسكنه الله)، وهنا تسكن العبرات في زمننا هذا كل لديه الله، والله الذي عندي اجمل والذي عندك يحتاج الى تجميل، بالتالي هل اختلاط المفاهيم ايضا يصبح حجر عثرة في تحقيق تحول كذلك الذي صنعه الحسين (ع)؟ ثم، معاصراتيا واسلاميا هل ترك هذا التصنيف (جوهرية الانسان) وبات مهملا على ان الانسان هو الاول وحلت محله امور اخرى ونحن نعلم أن جل الخطاب القرآني،إن لم يكن كله هو للناس (أطروحة شريعتي)؟ ومما لا شك فيه أن الإسلام هو أول مدرسة اجتماعية تعتبر المصدر الحقيقي، والعامل الأساسي، والمسؤول المباشر عن تغيير المجتمع والتاريخ، ليست الشخصيات المختارة، كما يقول (نيتشه) وليس الاشراف والارستقراطيين، (كما يقول أفلاطون)، وليس العظماء والقادة كما يقول (كارليل وأمرسون)، وليس أصحاب الدم الطاهر كما يقول (الكسيس كارل) وليس المثقفين أو رجال الدين، بل عامة الناس، فإذا تحرك الإنسان تحرك التاريخ.. وإذا سكن. سكن المجتمع والتاريخ، بهذا اللحاظ الكرة بخصوص التحول هل هي في ملعب الناس؟ الحسين (ع) تألق في نهضته بخلق رؤى سيميائية رابطة بين العوالم الثلاثة عالم الأشخاص وعالم الأشياء وعالم الأفكار،لينتج في نهاية المطاف نهضة متكاملة قادرة على أن تمد جذور التغيير والتحول غبر بوابة الزمن، هي وصلت، ولكن هل العلة في تحويل وصولها الى مناهج واليات وأدوات تصنف الاولويات؟ مالك بن نبي يطرح مشكلة الأفكار كمعيار يؤسس لاتجاه الحضارة ويعمق القدرة على التحول، لا تحول بلا افكار لا تغيير بلا افكار،هل القابلية للاستعمار والتبعية افقدتنا القدرة على التحول تلك التي اراد الامام الحسين أن يحررها؟ بالمجمل ما طرح اعلاه هي اسئلة على الطريق التحول ولكن من زاوية كربلاء الشهادة.