ما السعادة؟

آراء 2021/08/16
...

  رعد أطياف
كل منا يسأل هذا السؤال، حتى لو كان لمرّة واحدة في حياته، وهو لماذا أنا لست سعيداً؟ لمَ تختف سعادتي باختفاء شروطها الخارجية؟. والنتيجة المتوقعة لمثل هذا النمط من الأسئلة تنتهي بلا جواب، أو على الأقل بأجوبة مضطربة، حيث ما زالت تصوراتنا عن السعادة تصورات غريبة. 
 
نتجه إلى الألم والمعاناة ظناً منَا ان ما نفعله هو السعادة. إن فهمنا للسعادة قائم على شروط خارجية كثيرة، ولذلك كلما زال الشرط الخارجي اختفت معه لحظات السعادة؛  فنحن نسافر،  ونمارس الجنس، ونرتدي أجود الماركات، ونشتري أفخم العقارات، لكن يبقى هذا الكابوس يلاحقنا (هاجس عدم السعادة) ولمجرد أن يختفي هذا الشرط المذكور تتلاشى تلك {اللحظة السعيدة}. فعند شرب الكحول يختفي شعور المتعة لمجرد الصحو مثلما يقول مظفر النواب "فصحونا وإذا الدنيا على حالتها". وعند رجوعنا من السفر يبدأ عدّاد الكآبة بالتزايد، وبلحظة شراء الملابس يختفي بعد يوم او يومين ذلك الشعور المفرح، وهكذا دواليك. يدل هذا على أن السعادة متى ما ألحقناها بالشروط الخارجية انتفى مضمونها، ذلك إنها حالة داخلية ولحظة مجردة من الشرط والرغبة والتعلٌّق. ما أن نضع الشرط تختفي منه السعادة كلياً، كما لو أنها علاقة طردية يتوقف تغيير أحد طرفيها على تغيّر الآخر. إن السعادة، على الأرجح، هي حركة الفكر تجاه الأشياء، وبتعبير أدق؛ إن ما يحدد سعادتنا وتعاستنا هو الفكر وليس الموضوعات الخارجية!. 
لأنه يمكن لهذه المواضيع الخارجية أن تبقى على حالها في حين يتغير الفكر تجاهها. 
ما أن نغير أحكامنا تجاه الخارج يتحسن الوضع رغم بقاء المواضيع الخارجية كما هي. حينما نصاب بالأمراض الجسدية لا تمنعنا هذه العلّة من الابتهاج، لأن الفكر من يحدد السعادة وليس الجسد، أي أن احكامه وإسقاطاته من تتحكم بهذه الحالة. ذلك إن الفكر المضطرب بسبب ما يغطيه من أحكام وسموم نفسية هو مكمن المعاناة، وليس شيئا في الخارج . في لحظة سكون الفكر تغدو الأشياء طبيعية وهادئة ويبدو كل شيء على ما يرام حتى لو كانت المواضيع الخارجية لم تتغير كما قلنا. 
إن الشخص الذي أبغضه قد يغدو صديقاً حميماً ذات يوم لمجرد أن تتبدل المواقف. لا يعني هذا ألا نتخّذ موقفاً تجاه الأشياء السلبية، فهذه مثالية مفرطة، ذلك إن المواقف التي نتخذها لا علاقة لها بالأحكام النفسية المجحفة؛ إنه موقف خالٍ من الأحكام القيمية. وهكذا كلما تحرر الفكر من أحكامه المسبقة (الأحكام ذات البعد النفسي بالتحديد، وليست الأفكار الفلسفية وغيرها) كان إلى الهدوء والسكينة وراحة البال أقرب مما لو كان مأسوراً بإطلاق الأحكام، فالسعادة في نهاية المطاف تستحق الدخول في هذه المغامرة: مراقبة الفكر مراقبة صارمة.