ذاكرة الثورة الحسينية

آراء 2021/08/16
...

  يعقوب يوسف جبر 
 
لست في مقام سرد مجريات ثورة حدثت قبل قرون، لكن المهم أن ابين جوهر هذه الحركة الاجتماعية السياسية، وما هي الغاية من انطلاقها، نعم بالفعل حدثت هذه الواقعة فكانت ملحمة ذات قيمة تاريخية، وليست حركة عشوائية أو عبثية أو حركة شاذة، هي ليست حركة طائفية كما يصورها بعض المؤرخين أو المستشرقين، وهي ليست متغيرا تاريخيا مؤقتا، صحيح أن هنالك طائفة من المسلمين تستذكر كل عام هذه الواقعة بطرق مختلفة، لكن ليس معنى ذلك أن ثقافة هذه الذكرى وصاحب الذكرى الحسين وآل بيته وصحبه، هي ثقافة متبناة من الطائفة الشيعية فقط، كلا فإن رسالة هذه الثقافة الإنسانية هي رسالة كل الشعوب والأمم التي تنشد نيل الحرية. 
لان القيم التي تتضمنها إنما هي قيم لها ما يشابهها في ثقافات الشعوب والأمم الأخرى، خذ مثلا ثقافة جيري وهي قيمة اجتماعية يابانية تدل على تضحية الذات من أجل المصلحة العليا. 
وهي قيمة أساسية من قيم المجتمع اليابانية المحورية إن كان بالنسبة للأسرة أو جهات العمل أو المجتمع.
وهذه الثقافة نجد لها تطبيقات في الثورة الحسينية، فعندما جاء في إحدى كلمات الحسين (ع) {انني لم أخرج اشرا ولا بطرا ولكن خرجت للإصلاح في أمة جدي}، فان دلالة هذه الكلمة المعبرة عن الإنسانية توحي بأن احدى غايات الحركة الحسينية، هي الدفاع عن المصلحة العامة للأمة والمجتمع، وهذا يؤشر بشكل واضح الى رقي هذه الحركة ونبلها، فهي ليست حركة فردانية ثأرية، لان الحسين (ع) لم يخرج طلبا للثأر بل ثار ليصحح مسار الأمة بعد ان عبث بمقدراتها الفاسدون، ورغم أن ثورة الحسين دارت وجرت في وقت مضى، لكنها تحولت إلى ذاكرة وليس مجرد ذكرى عابرة، انها ذاكرة تشبه الدافع الذي يدفع الإنسان نحو التحرر من العبودية والاستغلال وكل الوان الجور، انها ثقافة الله الذي كرم الإنسان بالحرية وقيمها، فبموجبها ينتفض الإنسان على كل من يحاول استعباده، وهذا هو سر النهضة 
الحسينية. 
ولا تزال هذه الثقافة معطاءة ومتاحة لكل إنسان وكل امة بغض النظر عن لون ثقافته وحضارته، ثقافة لن تتوقف في لحظة ما، بل تستمر في زخمها ورفدها لكل من يريد أن ينتصر على الفساد مهما طغا.
إذن هي مدرسة انسانية متوثبة لو أمعنت الشعوب في قراءة صفحاتها لاتخذت منها مثلا أعلى مخلدا مدى الزمان.