الطقوس الدينيَّة تعزز القيم الروحيَّة

الصفحة الاخيرة 2021/08/16
...

 بغداد: الصباح
 
الفن لا ينفصل عن الدين عموماً ضمن السياق التاريخي للأديان وممارسة طقوسه التعبديَّة والروحيَّة، فالفن يمنح الجانب الروحي الرفعة والسمو والارتقاء نحو المطلق بجاذبيَّة تجعل الفرد أكثر تقرباً الى الاتحاد بالله.. وفي طقوس الشعائر الدينيَّة، يدخل الفن كجانب أساسي بوسائل وجدانيَّة تعبر عن روح الممارسة الطقسيَّة في الارتفاع عن الدنيوي والدخول بوجلٍ نحو الديني.. لذلك دخل النحت والتشكيل في رسم المعابد والكنائس والاديرة والمساجد وصنع الالهة
والتماثيل. 
وكذلك فن العمارة الذي ارتبط بنحوٍ مباشرٍ في بناء الكنائس وأماكن العبادة وأضرحة الأئمة، أيضاً الموسيقى والإنشاد الديني والتراتيل والابتهالات كانت وما زالت تؤكد حضورها الروحي عبر الأزمان في تعزيز القيم الدينيَّة وتزيد من رفعته، والحديث عن نشوء المسرح يحيلنا الى معابد الاغريق، فقد نشأ في أحضان الطقوس والشعائر الدينيَّة، فكان الفن بانثيالاته وإيماءاته وتأملاته يشحن العاطفة الإنسانيَّة ويتسامى بها من كينونة الجسد وغرائزه الدنيويَّة الى التحرر نحو سموات الروح والتسبيح لله في عليائه.
يقول الدكتور طارق حسون فريد (إذا ضعف الفن الدنيوي، أخذ يغرف من الفن الديني).
ويقسم الفن حسب الباحثين الى ديني ودنيوي. وتختلف نظرة المجتمع الى الفن حسب قيمه وحضارته وتقدمه وثقافته.. ومن الخطأ النظر الى الفن بدونية وسلبية، ومن غير الممكن إفراغ الطقوس الدينية والشعائر حتى عند المسلمين من وسائل التعبير الفني بأوجهه المختلفة. والفن كان راسخاً ووثيق الصلة بحضارة وادي الرافدين في جميع الشعائر الدينيَّة، ففي بابل كانت المواكب تنطلق من باب عشتار بكل مهابة بجموع من المنشدين من النساء والرجال وتستخدم فيها الموسيقى للاحتفال بعيد الخليقة، وكانت الموسيقى تعزف في المعابد. وكانت القيثارة السومرية تستخدم في صناعتها رأس الثور والجلد، وهاتان المادتان مقدستان في حضارة وادي
 الرافدين.
الجدير بالذكر أنَّ المرأة المنشدة في المآتم والمناسبات الحزينة في اللغة الأكديَّة كانت تدعى (قالوا) أي القوالة في الوقت الحالي والتي تقوم بالوظيفة ذاتها في الإنشاد في مراسيم
 العزاء.
وقد وظف الكثير من الفنانين¬ الفن لخدمة قضايا دينيَّة ليؤدي الفن وظيفة روحية سامية انعكست على العديد من المجالات الفنية، ويتجلى ذلك من تداخل المسرح العراقي مع التشابيه التي تقام في شهر محرم باستحضار معركة الطف واستشهاد الإمام الحسين "ع" في كربلاء، وقد استفاد المسرح العراقي من هذه الطقوس المتجذرة في عمق التاريخ المسرحي وهي تحمل عبق استلهام دروس الشهادة والكبرياء ورفض الظلم.. هذه الذكرى المتجددة بسخونة مشاعرها المتأججة التي تزداد مع تقادم الزمن.
ويؤكد عددٌ من الباحثين، أنَّ مسرح التعزية أو ما يعرف بـ"التشابيه" هي التي أمدت المسرح العراقي بالكثير من القضايا الإنسانيَّة السامية وكانت السبب وراء تطوره وجعلت له أرضاً راسخة للتطور والنماء. بالمقابل أثرت قصة استشهاد الإمام الحسين "ع" بفاجعيتها الدراميَّة على المسرح العراقي في تناول الكثير من صفحات هذه المأساة في الكثير من المسرحيات التي ظهرت أو التي منعت من الظهور بسبب السلطة الدكتاتورية، وعادت من جديد التشابيه بعد العام 2003 وعلى نحوٍ واسعٍ لتقدم في أيام محرم في الساحات العامة.. والممثلون يعيدون معركة الطف مباشرة أمام أنظار المارة الذين يتفاعلون مع أحداث القصة
وجدانياً.