الفقدان في قصيدة (عطلة منتصف العام الدراسي) لشيموس هيني

ثقافة 2021/08/16
...

 محمد تركي النصار
 
نشرت قصيدة (عطلة منتصف العام الدراسي) لشيموس هيني في ديوانه الأشهر (موت عالم طبيعيات) عام 1966، وهي مهداة الى شقيقه الذي توفي في حادثة سيارة عام 1953 عندما كان يبلغ أربعة أعوام من العمر.
يعبر هذا النص عن تجربة شخصية لكنه في الوقت نفسه ينطوي على طاقة تحليلية، إذ يحاول هيني أن يفهم أدوارا اجتماعية من خلال هذه القصيدة.
تصف (عطلة منتصف العام الدراسي) الاضطراب العاطفي، الذي يعيشه المتحدث بسبب فقدانه شخصا عزيزا بطريقة مفجعة.
تبدأ القصيدة بحديث المتكلم المعزول في عيادة الكلية، حيث ظل هناك ينتظر وصول جيرانه ليأخذوه الى المنزل، وبعد وصوله يجد أسرته التي تعاني من اثر الفقدان، فأبوه كان يبكي، ووالدته لاتستطيع الكلام من شدة الصدمة، وقد تجمع العديد من الغرباء حوله ليواسوه هو والأسرة، لكن لا تبدو جهودهم بذلك المستوى من التأثير، بسبب حدة المصيبة:
أمضيت الصباحَ كله جالساً في العيادة الجامعية.
أعدُّ أجراسَ الحِصصِ الدراسيَّة.
في الساعة الثانية ظهراً، 
أوصلني جيراني إلى البيت.
فوجدت والدي ينتحبُ في الشرفة، 
وهو الذي اعتاد تقبُّلَ التعازي برباطة جأش.
يعبر هيني في هذه القصيدة عن ثيمات الأسى والفقدان، وتتركز على اثار ما بعد الحادثة التي تكون في خلفية استجابة الاشخاص المحيطين بهيني، فهناك الاحساس بالاحباط، الحزن الصافي والشعور بالانعزال، كذلك فإن الموت أطاح بحيوية الأسرة وغير من الطريقة التي يتعامل بها كل فرد من أفرادها مع الوقائع اليومية.
تتألف القصيدة من سبعة مقاطع يتكون كل منها من ثلاثة أبيات أو ما تسمى بالمقاطع الثلاثية، وهذه الثلاثيات تبقى ثابتة خلال النص حتى يصل القارئ الى نهاية القصيدة، يقول المتكلم في الابيات الاولى بأنه كان معزولا في عيادة الكلية طيلة وقت الصباح، وربما يتبادر الى الذهن بأنه مريض، ولذلك تم حجره هناك بعيدا عن بقية التلاميذ، لكن الأمر ليس كذلك، إذ سيعرف القارئ بأن المتكلم فقد شخصا عزيزا والعيادة، هي المكان الأنسب الذي خصص له لينتظر وصول جيرانه ليأخذوه الى البيت.
وبعد الوصول للبيت يرى أباه يبكي في الشرفة وهو منظر صادم ليس كما كان أبوه يحضر الجنازات.. فوقع الحادث الان مختلف وردود الافعال أيضا.
أحد جيرانهم ويسمى جم ايفانز الكبير يأتي الى المتحدث ليخبره بأن هذا الفقدان هو ضربة قاسية لوالده..
إنه الآن في المنزل مع الأقرباء وهناك طفل سعيد في الغرفة لا يدري اي مشاعر حزن تدور حوله وهو هناك يهدل في عربته:
كان الطفل يناغي ويهزُّ العربة ضاحكاً عندما دخلت، 
مُحرَجاً من الرجال الذين جاؤوا لتعزيتي
متأسفين لهذا المصاب، ومتهامسين بأنني الابن الأكبر.
وهناك في المدرسة، بينما
كانت والدتي تمسك يدي بيدها
وتزفرُ تنهُّداتٍ غاضبةً بلا دموع
في تمام العاشرة وصلت سيَّارة الإسعاف، 
حاملةًالجثمانَ الذي أوقفت الممرِّضات نزيفه
في المقاطع التالية غدا واضحا بأن المتوفى ليس والدته، اذ كانت هناك تمسك يده بينما كان الغرباء يتحدثون معه لتعزيته في الفاجعة التي لم تكن مجرد موت عادي، إذ كان الصبي يسمعهم يتهامسون بينهم بأنه الابن الاكبر الذي كان بعيدا في المدرسة عندما حصلت الحادثة.
وابتداءً من المقطع الثاني حتى الأخير كان المتكلم بمواجهة الجثمان، إذ ذهب الى الطابق الأعلى يراقب المشهد والشموع قرب السرير في حالة تثير التأمل:
للمرَّة الاولى أراه، 
بعد ستَّةِ أسابيعَ، 
وقد غدا الآنَ أكثرَ شحوبا، 
بكدمةٍ على الصدغ الأيسر 
كان راقداً في صندوق طوله أربعة أقدام بحجم مهده، 
لقد ضربه واقي الصدمة ضربة قاتلة 
وها هو يرقدُ الآنَ في صندوقٍ طولُهُ أربعة أقدام، 
قدمٌ واحدة لكلِّ عام.
وفي المقطع الأخير يتم الكشف عن بعض التفاصيل التي تتعلق بحالة جسد الميتن حيث الندوب الحمر على جانب الرأس بفعل ضربة واقي السيارة، التي تسببت بالوفاةن ونرى وصفا للتابوت فيه مرارة وإحساس عالٍ بالتهكم من عبثية الأقدار.