هذه كربلاء

الصفحة الاخيرة 2021/08/20
...

جواد علي كسار
كان لا بدّ من تسوية تُخرج الطرفين من حدّ المواجهة العسكرية ولو مؤقتاً، وهذا ما كان، فعلى مشارف الكوفة، وكان الإمام سيّد الشهداء يقصدها قادماً إليها من مكة، لقاه الحرّ بن يزيد الرياحي بمفرزة من الفرسان وانتهى الأمر بينهما إلى أن ينصرف الإمام وأسرته وأنصاره عن الكوفة، وقد رافقه الحرّ مجعجعاً به دافعاً له بعيداً عن الطريق المؤدّي إليها.
في يوم الثاني من محرم عام 61هجرية، اجتمع في مكانٍ من خطّ المسير، سببان غيبي وموضوعي، فاختاره سيّد الشهداء وفازت به كربلاء من دون بقاع الأرض جميعاً.
أما السبب الغيبي فيحدّثنا المؤرخون، أن الحسين عندما انتهى إلى نقطة من أرض العراق، وقف الجواد الذي تحته ولم ينبعث، وكلما حثّه على السير لم ينبعث خطوة واحدة، فسأل الإمام: يا قوم ما يُقال لهذه الأرض؟ فقالوا: نينوى، فقال: هل لها اسم غير هذا؟ قالوا: نعم، تسمى كربلاء، فعند ذلك تنفّس الصعداء، وقال: هذه والله كرب وبلاء، فانزلوا بها يا كرام، فههنا محلّ قبورنا، وههنا والله محشرنا ومنتشرنا، وبهذا أوعدني جدي رسول الله صلى الله عليه وآله، ولا خُلف لوعده.
أما في منطق الأسباب الموضوعية ذات الصلة بالمشهد الحسيني الكربلائي، فيذكر المؤرخون أن كتاباً بلغ الحرّ الرياحي من عبيد الله بن زياد، يأمره أن يوقف الحسين حيث هو، من فور ما يصله الكتاب، فكانت كربلاء نقطة تواصل بين أفق الغيب ويومه المدخور لسيّد الشهداء، وبين الواقع الموضوعي، وكانت اللحظة تلك صلة الوصل بين الأرض والسماء!.
لكربلاء تأريخ ضارب في أقاصي العصور، فهي اسم مركّب من «كرب» بمعنى المعبد أو الحرم، و«إيلا» بمعنى الإله، كما قيل ان اسمها مشتق من «الكربل» وهو ورد أحمر قد نبت في هذه الأرض، أما نينوى والغاضرية والنواويس والطفوف، فأغلبها أسماء لقرى كانت دالة عليها، قبل أن يغلب عليها اسم كربلاء، بعد استقرار الحسين(ع) فيها.
من كلمات الحسين عنها قبل أن يبلغها: «كأني بأوصالي تُقطّعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء»، كما خطب مرّة في أصحابه، ثمّ قال لهم: «أهذه كربلاء؟ قالوا: نعم، فقال: ههنا مناخ ركابنا، ومحطّ رحالنا، وسفك دمائنا»، وقد كان!.