الحسين (ع) رمز الإسلام المحمَّدي

ثقافة 2021/08/21
...

 علوان السلمان
 
الشعر نص جمالي يتشكل في الواقع منطلقا في فضاءات لا تحدها حدود بإيحاءاته الدلالية وبنائه الفني عبر الذهنية الابداعية الشاعرة التي تمتلك القدرة على صياغة عوالمه وخلقها من خلال الرؤية التي هي انسجام مع منظومات اجتماعية ومعرفية، والخيال الذي يبني النص الشعري، لذا فالشعر لا يكتفي بموضوعه حسب بل وصياغته التي ترتقي به الى الافق الذي يحقق ذاته..
   والشاعر الدكتور احمد كريم العلياوي في قصيدته (وألق دماك) يعتمد عمود الشعر شكلا في بناء نصه الشعري، مع جنوح صوب اللغة الدرامية باعتماد المشهدية الصورية اسلوبا للتعبير الادائي وتجسيد اللحظة المتوترة من خلال التناقض المتصارع داخل الوجود الانساني والمحيط.. وما بين الرؤية المستقبلية..
 
سأراك يذكرك السؤال إذا نمى
وتفوح أزهار السكوت تكلّما
أبصرت في وضح الدماء حدائقا
وغرزت صدر الشوك رمحا من عمى
ومسحت دمع الغيم.. كفك ظامئ
ووقفت ـ في يوم عطاش ـ زمزما
    تسبح القصيدة بعوالمها التي تبدأ بمعطيات خارجية تنحو بالنص نحو حضوره الاجتماعي المتمثل بعطاءات روحية بالغة الاثر للتعبير عن محتواها بحضور الرمز الوجودي الحسين (ع) ببعديه التاريخي والشعبي، وهو يفرش روحه على امتداد الازمان بلغة بعيدة عن التقريرية والمباشرة معتمدة الاستبطان والكشف عن صورته الجهادية، كونه يحمل قضية الانسانية التي لا يقوى على حملها إلّا المجاهدون، الصابرون، فضلا عن أنها إدانة للذين لم يحملوا الراية المساندة له حين بدأ
بريق السيوف..
 
هم مزّقوا ثوب الصباح.. وغادروا
فمضوا عراةً مظلمين الى العمى
تركوك ظنّوا يركــبــون مغانـــما
ونسوا.. بأنّك كنت وحدك مغنـما
   لقد كان الهم الشعري في النص تجسيد البطولة، فضلا عن أنسنة الطبيعة ومكوناتها (أزهارـ  حدائق ـ شوك ـ غيم..).. مع استخدام تراكيب فعلية متساوقة زمنيا (أبصرت ـ غرزت ـ مسحت ـ وقفت ـ فتحت..) كي يؤكد الشاعر حضور الفعل، وهي فاعلة في بناء النص ومسهمة في انبعاث الصور الشعرية ممتلئة ومكتظة بالأفكار والاستعارات من خلال التضاد الحاد.. فضلا عن توظيفه الرموز وموحيات البيئة لمنحها دلالات عصرية تتشكل داخل بنية الحدث الدرامي، ومن ثم تعميق الصلة الشعورية بين المتلقي والرؤى الشعرية من خلال المزج بين الأسلوب الواقعي والرمزي لتفجير الدلالة ومنح الإحساس روحا متجددة.. فكانت لوحات متحركة، متفاعلة مع تفاصيلها بتداخل صورها المستمدة من الطبيعة وعناصر الوجود، والصور المستمدة من الأحداث التاريخية، لأن الشعر (صياغة وضرب من التصوير) كما يقول الجاحظ، فكان عناق اللحظات المتجمعة عبر الازمنة مما أكسب النص قدرا من التكثيف.. وتشكيل اللحظة الاتقادية المؤثرة، لأن الشاعر لا يتحكم بمشاعره بشكل مفتعل بل يتيح لتوهج التجلي لفعل فعله الإبداعي.. 
 
منعوك ورد الماء.. كنتَ مــلبَّــدا
عطشًا.. وصيف رفضك غيــَّـــما
وطأتْ جبينَك خيلُهم كي يهشموا
فيه الكرامة.. فاستشاط ودمدما
فكبتْ خيول الليل عندك ســـــيدي
واعدت ليل العاديات مهشَّـــــــما
    فالنصّ يتعامل مع الرموز بواقعية تهتم باللحظة مع اتكاء على الحدث التاريخي، ومن ثم النفاذ الى ما وراء المألوف من الافكار مع تجسيد الالتحام بالشخصية الرمز والذوبان في دواخلها دراميا، ومن ثم الغوص في معناها حتى صارت نبضا تمحور في وجدان الشاعر العاطفي، فالحسين الكاشف عن سره الإنساني العميق من خلال تجربته الحياتية، المتمرّدة على خروج الحكام عن الدين وقوانين الحياة.. فاختار الشهادة من أجل حياة الروح، والحرية مقابل العبودية والعدالة مقابل الظلم والحقيقة الربانيّة والايمان مقابل الفوضى والفساد..
  فضلا عن ذلك انفتاح النصّ على الحكمة والجمال الذي تميّز بدفئه واتساع رؤاه التي ترتبط بالتجربة، مع اشتغال على الثنائيات (السكوت ـ التكلم/ البصرـ العمى/ الظمأ ـ الروي..) مع تجسيد الإحساس بالزمن عن طريق التتابع الصوري وامتلاكه قدرة على شحن مفرداته بحيوية من خلال البعد الرمزي مع اهتمام بالإيقاع والقافية لتركيز المعنى، كونهما يشكلان المستوى الصوتي الفاعل في النص الشعري المقترن بالدلالة اقترانا وثيقا.. فالقافية تسهم في البنية الايقاعية فضلا عن أنها تهيء المتلقي لاستقبال التشكيل الزماني للنص من خلال الاستغراق في قراءة البيت الشعري وقافيته التي تعد وقفة زمنية تأملية، مضافا اليها التنقيط دلالة الحذف، كونهما جزءا من لحمة النص ومكونا بنيويا له ارتباطه الذي لا ينفصم عن المعنى والبنية الكاملة للنص كما يقول جان كوهن في (بنية اللغة الشعرية).. فضلا عن أنها تسهم في خلق فضاء واسع داخل النص الشعري، وهذا يعني أنه للقافية دوران أولهما ايقاعي وثانيهما دلالي..
  لقد كانت قصيدة (وألق دماك) قصيدة تبني روحها على مسار واحد وبنية واحدة وهي تنطوي بحركاتها المتناوبة بانسيابية لينة، والتي تكشف عن أسرارها وهي تغسل الوجع الإنساني برمزها الروحي المتجدد مع الأزمان..
 
وإذا استعدتَ الطفَّ ترسُمُ يومَهُ
هرعَ العراقُ إليك يحملُ مرسما
إنه يوم الطف الذي سيبقى شاهدا للحسين (ع) الجرح والقنديل الذي يدور مع العاصفة من أجل فرح مقبل برؤية شعرية تنبع من الأعماق، كونه رمز الإسلام المحمدي الوجود، الحسيني البقاء..