العلاقة بين النص المكتوب والفيلمي

الصفحة الاخيرة 2021/08/22
...

  المحرر السينمائي
 
 يحمل كل من النص الفيلمي والنص المكتوب خصوصية وسمات محددة تميز أحدهما عن الآخر، لكن يقوم صانع الفيلم بخلق مسافات واصلة بينهما وأواصر تجسير ومقاربة واقعية ومحتملة لهذين الوسيطين التعبيرين، والذين يشكلان أبنية خاصة لكل منهما، لكنه أي صانع الفيلم يتمكن في النهاية من جمعهما في خطاب واحد هو الفيلم السينمائي.(العلاقة بين هذين الوسيطين يمكن تتبعهما إلى طفولة السينما تقريباً).
فمع البداية الأولى للسينما استخدم العديد من المخرجين النصوص الأدبية أساسا للعديد من الأفلام التي صنعوها، وكان هناك تأثير متبادل بين الاثنين ويقول – كريفث – (إن العديد من تجديداته كان في الواقع مأخوذاً من صفحات ويكنز).
يقول أزنشتاين ان روايات ديكنز قدمت لكريفث (عدداً من التقنيات بضمن ذلك ما يقابل الاختفاء التدريجي، والتداخل، وتكوين الصورة والتجزئة الى لقطات والعدسات الخاصة بالتحوير وأهمها جميعاً مبدأ المونتاج المتوازي، حتى أن ازتشتاين حول الفصل الحادي والعشرين من رواية اوليفر تويست إلى نص تنفيذي ليدل على أحاسيس ديكنز السينمائية).
 نفهم من هذا ان البدايات الأولى لفن التوليف او المونتاج كان له ما يعادله في النص الأدبي المكتوب، مما أتاح لمخرجين رواد مثل كريفث وازينشتاين خلق تقسيماتهم السينمائية المتجددة وخصوص على مستوى المونتاج، الذي اسهم بشكل فاعل في ما بعد يدعم قوة الايقاع في النص الفيلمي وجذب انتباه المتلقي من خلاله، اعتمادا على الشفرات الدلالية التي بثها النص الفيلمي.
والسينما أو النص الفيلمي غير قابل للنقل المباشر للنص الأدبي إلا أذا أخضعته إلى تحولات فعلية، أي ان نقطع النص الأدبي أو بتره إن أمكن، وهو الطريق المنطقي والطبيعي الملازم لهذه الوسيلة العبقرية التي هي السينما.
وبسبب اختلاف الزمن الروائي والزمن الفيلمي يمكن للمخرج ان يتوفر على آليات الاختزال والتأثيث بواسطة تحليل الزمن الروائي والزمن الفيلمي الذي يقسمه {جيرار جينيت} إلى أربعة أقسام وهي:
1 - الحذف: الذي يرمز في الرواية إلى القطع، الزمن الغائب.
2 - الخلاصة: وهي تشير إلى الزمن الذي نحذفه ونكثفه لأنه متعلق بالزمن السريع.
3 - الوقف: وهو عكس الخلاصة حيث يتم تطوير الزمن واغناؤه وجعله يمر بشكل بطيء.
4 - المشهد: يحيل المشهد الى المرجع الحسي للزمن الواقعي عند القارئ وهو ما يسمى بالزمن الحاضر.
وترى جان ماري كلبرك (أن إعادة حكي رواية مرة ثانية سيجعلها أكثر جمالاً ومتعه، لأنها ستصبح رواية أخرى مختلفة)، وإعادة الحكي عبر والوسيط السينمائي يعتمد في لغته على الدال الأيقوني والدال اللساني والدال الموسيقي، من خلال تفكيك النص الأول وإعادة توزيعه بواسطة لغة جديدة هي لغة الصورة. وبهذا نكون أمام نص جديد ذي أشكال دالة جديدة متمثلة بالنص الفيلمي الذي (هو عبارة عن فضاء وسائطي مولد لتبادليه جوهرية تضع السينما مكان الرواية). 
اذن نستطيع أن نخلص إلى القول إن المادة الأدبية المكتوبة سواء كانت نصاً روائياً أو شعرياً، يتحول بتناوله من قبل السينما إلى نص آخر لا علاقة له بالنص الأصلي، وذلك لاختلاف الوسيط وكذلك لاختلاف عناصر النص الجديد الفيلمي وأدواته.
لذا فإن النص الفيلم هو نص قائم بذاته، معتمداً على أدواته وله لغته الخاصة التي تتوفر على العديد من الدلالات التي تصل للمتلقي،هو كأي نص آخر خاضع للتأويل والتفكيك والتحليل الذي يقصد دراسته من خلال إخضاع كل عنصر من عناصره إلى دراسة تحليلية تسعى لكشف ما وراء الصورة التي هي وسيطه التعبيري والتي جعلته نصاً متميزاً عن النصوص الأخرى المقروءة والمسموعة وله بنية المعمارية الخاصة به، رغم انه كبنية قد يشترك مع نصوص أخرى في مكونات بنيته المعمارية، وان تكن ليست بالشراكة التي تصل حد التقارب، فالحوار مثلاً هو أحد عناصر البنية المسرحي والروائي، كذلك فهو في النص الفيلمي يشكل عنصراً رئيسياً وفاعلاً في بنية هذا النص.
(كذلك فأن النص الفيلمي يقدم للمتلقي خبرة فنية مشابهة لادراك الإنسان للواقع عبر حواسه).
وقد كان هناك اعتراض على كون الفيلم نصاً خصوصاً في ما يتعلق بالمصطلح، حيث إن استعمال كلمة نص كان يرتبط في البدء للأعمال الأدبية قبل ان ينسحب على الأعمال الفيلمية وغيرها من الأعمال الفنية.
ان فاعلية النص الفيلمي تقودنا نحو فهم بنائية الصورة كمرتكز اساسي في التعبير الفيلمي كنص، عندها (يصبح النص نظاما نابضا بالنسبة للمشاهد والمحلل، ونظاما يطوع الشفرات في تشكيل خاص يدفعها للإطلاق رسالتها في سياق حدد نمطه مسبقا، ان النص اكثر بكثير من مجرد مجموعة او طاقم، انه بالنسبة للمحلل الناجح والمشاهد الناجح نظاما منطقيا لعدد مفترض من الشفرات يمكنها ان تضفي قيمة على الرسالات).