الثقافة والبحث عن المعرفة

ثقافة 2021/08/22
...

علي حسن الفواز
ليست هناك ثقافة كاملة، ولا وجود لما يسمى بالمثقف الكامل..إذ تظل فكرة الثقافة مرتبطة بالوجود وبحركة الحياة والتجدد، ونزع القشور اليابسة عن اللغة والوعي والممارسة، وعن كلّ ما يجعل الخطاب الثقافي عسير التداول والقبول والاستعمال.
ثمة من يعتقد بأن "الثبات" الثقافي رهين بالقيم، وأن التمسك بها سيجعل صانع الثقافة ملتزما وواقفا عند قيم الحق والاصل، وهذا الامر ليس دقيقا ولا موضوعيا، لأن الثقافة ذاتها ليست بعيدة عن مصالح الناس ولا عن حاجاتهم، وإن الابتعاد عنها سيكون باعثا على العزلة، وعلى الوقوع في الاوهام..
تلك القيم لا تنفصل عن المعرفة، ولا عن التواصل والتعزيز والتمكين، فضلا عن كونها جزءا من الايمان بوجود هذه الحقائق، إذ تعني السعي الى اعادة النظر بصياغة اساليب التفكير والعيش والعلاقات، على وفق ما يتطلبه الزمن والحاجة والضرورة، وهو تأكيد لما قاله امام البلاغة علي بن أبي طالب عليه السلام بقوله، وهو ينشد تربية الجيل: " لا تقسروا أولادكم على آدابكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم".
فهذه الحكمة بجوهرها الثقافي تحمل معها دلالات معرفية كبيرة، على مستوى تغذية المعارف بما هو جديد وحيوي، أو على مستوى تغيير الاساليب، وربط الافكار بالجدّة والحداثة، لتكون أكثر اهلية، واوسع فعلا في التواصل والتفاعل وفي التأثير وفي نقد ما هو عاطل عن انتاج المعنى.
فالنقد هو جوهر فاعلية الخطاب، إن كان الأمر في الشأن الفلسفي، أو الادبي، أو حتى العلمي، فكلّ الاشياء خاضعة لقانون التطور، وهذا القانون لا يلغي، بل يجدد، ويعزز طاقة التفكير عند الانسان، وليجعل من الفكر مجالا للاختبار والجدل والمعاينة والسؤال، وهي امور ذات بعد نقدي، وبالاتجاه الذي يجعل موضوع البحث عن المثقف الكامل تأكيدا لحيوية النقد، ولتجديد وتطوير المهارات والخبرات، بما فيها ادوات البحث عن المعرفة ذاتها، إذ يكون هذا البحث تعبيرا عن جدّة العمل، فالعمل هو القوة الخلاقة التي تمنح المثقف/ صانع الفكرة، قوته في ادامة الجهد، وفي التفاعل مع الاخرين، وفي وضع الافكار في خدمة الناس ومصالحهم، وفي تأمين فرص حقيقية لعيشهم وتنميتهم، بما فيها الفرص الخاصة بتطوير افكارهم وتعدد وجهات نظرهم حول كل القضايا التي تخصهم، بدءا من المعرفة الى الاقتصاد والسياسة والفلسفة والاجتماع والفنون.