النص المستَهلَك

ثقافة 2021/08/22
...

  حبيب السامر 
 
ندرك تماما، أن الكتابة حياة الحياة، خلق حالات معيشة أو متخيلة، من خلال الغور العميق في الذوات القريبة والبعيدة، المقترحة التي يعيشها الكاتب وقت عزلته، يستحضر عوالم معيشة وأخرى خارج حدود الغرفة، ربما هي نزعة العوم في بحر الكلمات للوصول إلى ضفة الفكرة الشاردة، لرسم حالة تتسق مع الإمساك بالهامش والجزئي والمهمل، وصولاً إلى تقاطعات مع نبوءات كثيرة يضعها الكاتب على طاولة الكتابة الجيدة أو المستهلكة، كما هي إجابة العالِم – الكاتب - عن أسئلة محورية وكشف اتجاهاتها ببوصلات متعددة، لتشكّل بالنتيجة بوصلة موجهة في تيار الكتابة، من خلال تغذية محاور التدوين وفتح مغاليق الأشياء، وفي تشكلاتها يقول بيكون: «القراءة تصنع إنساناً كاملاً، والمشورة تصنع إنساناً مستعداً، والكتابة تصنع إنساناً 
دقيقاً». 
تتصاعد أصوات، تخفت أخرى، تغطس في الحيرة، وصولاً إلى فك شفرة القلق وهو يزيح عن الحلم قشرته، ويدخل من بوابات عدة، قد تجد المتاهات الضوئية التي تحاول أن تنبثق من ظلمة ساكنة.. مدفوعة في مقاومة النزوعات الداخلية، لتوضيح الرأي، إذ لم تعد هناك طريقة واضحة لتأخذ بأيدينا نحو لحظة الكتابة، وتتأصل في ملاحقتها للوصول الى اللحظة المهمة وكسر قاعدة الوقت المحدد والمكان المثالي.. لحظة الفكرة هي تقودنا إليها، نسرح معها في الشارع، الباص، الساحة، والحديقة العامة، ربما يمنحنا إياها الضجيج في سوق مكتظة بالناس وأصوات 
المطارق الصغيرة في أسواق قديمة لنقتنصها. 
قد يبدو الكاتب وهو شارد الذهن خارج الغرفة.. تسحبه الاندفاعات والمناورات والطقوس العجائبية من أجل اكتشافات مستمرة، واستخدام معاول صغيرة في حفريات 
دائمة، يحتاج أن يمحو من السائد كل الدرنات والمتكرر، يدخل في حيز العلاقات الحميمة الدافئة مع الكتب يمسك بها كأنها حمامة خائفة، هذا الشغف المستمر والمتواصل يقودنا إلى اللحظة الاستثنائية ونحن ننظر صوب ذواتنا كأنها كائنات هائمة، مرنة ساهرة على اقتناص اللحظة خارج إطار النافذة. 
نحاول أن نؤسس هيكلة الجزء الأساس من النص المقترح في الذهن والغوص عميقا في الفكرة باعتمادها على مرجعيات فكرية، حياتية حولتها الحياة الى صدمة غير متوقع حدوث جلبتها.. صراع دائم بين السطح الظاهر والعمق البعيد. 
هكذا هي الحكاية تتمتع بحتمية الغوص في عوالم حياتية عديدة.. الرصد الدائم للواقعة في لحظتها وتدوين ما يتيسر منها في سطور، للبحث عن النضج، وتوليد أسئلة عن حكايات قديمة في مكانات وأزمنة مختلفة، رصد الحالة الهامشية للحياة والتنقيب عن اللحظة الهشة مثل خيط سري يقودنا إلى غابة أو بستان، وهناك في زواياها مدفونة فكرة الكتابة.. 
قد تجدها بسهولة في أول وطأة قدم وقد يتأخر عليك الحصول عليها.. يتطلب منك الجهد المضاعف والبحث الدائم.. نعم، هي لحظة.. أقصد لحظة الكتابة بمختلف طقوسها ومقاصدها بآليات مركونة في زوايا البحث، لتقبض على مخطوطة النص بعد إجابات عديدة لأسئلة التوق للإمساك به. 
هل جئت بجديد، وأنت تدون أفكارك، لتوليد النص الذي تكتبه الآن، الفكرة، اللغة، الوصف، الحوار، وثيمات أخرى، تشبهك تماما، لا بالتبني، في مختلف الفنون الأدبية؟، أم دخلت الى سوق (البالات) أو الحاجيات المستعملة.. لتخرج بنص يشبه الى حد كبير ما كتبه غيرك وغيرك.. هنا تبدأ الفكرة بالكتابة الجديدة، أن تختط لنفسك مساراتها بعزلة عن الآخر.. تبدأ، تحاول، ترسم خطوطا صغيرة ثم تكبر، تفكر أن تجيء بما لم يكتبه كاتب، ولم تتناوله الحكايات، ولم تسرده الجدات الطاعنات في السرد والأساطير، تشتغل على فن الصياد الماهر، تغوص عميقا لتصطاد لؤلؤة المعنى، وهنا تتحقق نبوءة الكاتب الماهر في خوض الكتابة وسط غابة ربما، أو وسط بستان مزهر.. قد نستثمرها في خلق جديد، 
لكننا نظل نعاني من نزعة العوم وصولا الى حالات الغرق، والتشبث بقشة الأمل في انتشال أنفسنا من الموجات المتلاحقة التي سرعان ما تنتحر على الساحل، الكتابة الجديدة بفكرتها وتناولها والإيغال في عوالمها تحتاج إلى صائغ ذهب حقيقي يغرينا بسبيكة جمالية منتظرة.. هنا تدور أحداث النص المهم والجاذب والمرن في كسر أنماط السائد، ربما نحتاج إلى أدوات تُحَفِز فينا حالة ملاحقة الحياة.. والوصول إلى اللحظة الدافئة. هذه فكرة النص المقترح أو النص الطري والمرن.. وربما الاستثنائي في طقوسه وتناولاته من خلال الخوض عميقا 
في كشف تأثيث الكتابة بأنماط مبتكرة.