سعيد عدنان

ثقافة 2021/08/22
...

د. حسين القاصد
لهم علينا بقدر ما أعطوا وقدموا وهو كثير ثمين؛ ولنا عليهم أن يتقبلوا عدم مقدرتنا على الإحاطة بعلمهم وتواضعهم؛ أن يتقبلوا ذلك مثلما قبلوا منا ما ليس يرضي طموحهم؛ وحسبنا أننا نسعى إلى أن نقترب من ضفاف رضاهم، طامحين وطامعين به، وعاجزين وخجلين مما لا يسعفنا لنرضى عن أنفسنا بأننا رددنا لهم جزءا يسيراً من كرمهم وبياض أيديهم.
 لقد قلت وكتبت في الشبيهين عناد غزوان ومحمد حسين الأعرجي رحمهما الله وخلد علميهما واسميهما، وهما خالدان في وجدان من تربى على ما كسبه منهم؛ وقلت (الشبيهين) ذلك لأن طالبة في كلية الآداب استوقفت الأعرجي وسألته إن كان شقيق عناد غزوان أم لا؟، وذلك لشدة الشبه بينهما؛ فأجاب الأعرجي ببديهته المعهودة: نحن شقيقان، لكن عناد غزوان اسماعيل اختار أن يظهر بالاسم الثلاثي، وأنا اخترت أن أظهر بلقب العشيرة؛ ولعل بعض القراء الكرام لا يعلمون أن محمد حسين الأعرجي اسمه مركب وليس فيه اسم ابيه السيد عيسى الأعرجي.
أقول: لقد اجتهد قلمي المكتف بالخجل أمام الشبيهين الخالدين بأن يفي أستاذيه ببعض نبضه ولا أقول حبره أو كلماته.
لكن، ماذا عن رجل يقرأ بسرعة التنفس ولا يستعجل الكتابة حتى لو استعجلته؛ عالم جليل وأخٌ نبيل لتلامذته، وله قبل ذلك وبعده أبوة العلم على كل طلبته، لكننا لا نريد له كبر العمر فقد سبق شأنُه عمرَه.
رجل أشبه بالمعجم أو المكتبة، فما من سؤال يدور في بالك إلا وجوابه عنده، وأقول هذا عن تجارب وليس تجربة واحدة، ولا أبالغ مبالغة المحب، بل أتلعثم طفلاً أمام هيبته ونبله.
هل قلت نبله؟، دعوني أحدثكم عن موقفين حدثا معي وأنا طالب دكتوراه؛ الأول هو: أن صادفت جلسة استذكارية لعميد الأدب العراقي العلامة الدكتور علي جواد الطاهر، وقد دعا نجله أربد الطاهر كبار الأساتذة ومن بينهم أستاذنا سعيد عدنان، فما كان منه إلا أن كلفني وأنا طالب كي أذهب وأمثله في الجلسة وألقي عنه كلمة في ذكرى الطاهر؛ ثم استدرك وقال: أنت تناولته بما يليق به في كتابك النقد الثقافي فليس صعباً أو غريبا عليك.
لكني حين وصلت القاعة وجدت سعيد عدنان قبلي، ليجلس ويكتفي بكلمتي؛ فتركت الدراسة التي أعددتها للمناسبة وألقيت كلمة مرتجلة.
أما الموقف الثاني فهو: قبل يوم من مناقشتي الدكتوراه لم يسألني عن استعدادي للمناقشة بل سألني (أبو علي تحتاج فلوس لتغطية تكاليف ما بعد المناقشة من دعوة غداء وما إلى ذلك). سأختم كلامي بتلعثم الطفل بين يدي أستاذه وأكتفي بالقول: إنه سعيد عدنان، وأنا سعيد جدا به.