مهن ووظائف تضع النساء في مرمى الخطر والتهديد

ريبورتاج 2019/02/25
...

بغداد / فجر محمد
لطالما حلمت الطبيبة المقيمة (ز، ع) بأن تمتهن مهنة انسانية تقربها من الناس اكثر وتعطيها المساحة لخدمة الاخرين، وبالفعل حققت حلمها ودخلت كلية الطب بجامعة بغداد وبدأت مشوارها العلمي والانساني، وبعد تخرجها تم توزيعها مع زملائها على احد المستشفيات بداخل بغداد، تقول الطبيبة المقيمة بصوت مليء بالغضب والانزعاج
"نتعرض بشكل يومي الى التهديد من قبل مرافقي المرضى، اذ يحملوننا مسؤولية اي نقص من الممكن ان يظهر داخل المؤسسة الصحية حتى لو لم يكن من اختصاصنا بل يصل الامر احيانا الى تحملنا مسؤولية وفاة احدهم لمجرد ابلاغنا ذوي المتوفى بالخبر، التهديد لا يطال الطبيبات فقط بل الكادر الصحي بصورة عامة، في حين من المفترض ان تتوفر الحماية الكافية لهذه الكوادر كونها الاهم والاكثر مساسا بمختلف شرائح المجتمع".
الناطق باسم وزارة الصحة الدكتور سيف البدر اشار الى ان الاعتداءات على الكوادر الطبية  ليست بالجديدة بل هي مستمرة، ولكن الاهم هو اخذ الخطوات الجدية لحماية الكوادر والملاكات الطبية والصحية التي تتعرض الى الاعتداءات الوحشية وهي بدورها قد تدفعهم الى الهجرة وترك البلاد.
 
قانون حماية الاطباء
قانون حماية الاطباء الذي شرع مؤخرا نص على انه لغرض حماية الأطباء من الاعتداءات والمطالبات العشائرية وغير القانونية عن نتائج عملهم وتشجيع  الأطباء المهاجرين  خارج العراق للعودة إلى أرض الوطن ومنحهم الامتيازات الكفيلة بعودتهم صدر قانون  حماية الأطباء رقم 26 لسنة 2013 حيث وفر ضمانات قانونية للأطباء حيث لا يجوز إلقاء القبض أو توقيف الطبيب المقدمة ضده شكوى لأسباب مهنية طبية  إلا بعد إجراء تحقيق مهني من قبل لجنة وزارية مختصة.
وأجاز القانون للطبيب حمل وحيازة السلاح الشخصي بإجازة من وزارة الداخلية وبالتعاون مع وزارة الصحة ونقابة الأطباء يتم توفير الحماية اللازمة للأطباء خشية تعرضهم للمطالبات العشائرية  في حالة تعرض ذويهم لحالات الوفاة
 والإعاقة.
 وقد عاقب القانون على حالة المطالبة العشائرية للطبيب وكل من يدعي بمطالبة عشائرية أو غير قانونية ضد طبيب نتيجة أعماله الطبية حيث يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ثلاث سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرة ملايين دينار ويعاقب كل من يعتدي على طبيب أثناء ممارسته مهنته  أو بسبب  تأديتها  بالعقوبة المقررة لمن يعتدي على موظف أثناء تأديته وظيفته أو بسببها  وهي جريمة اعتداء على موظف وتتم إحالة الفاعل فيها على المحكمة المختصة حتى وإن وقع
 التنازل.
 كما حرص المشرع العراقي على فتح مراكز الشرطة لحماية العاملين في المؤسسات الصحية وعلى وزارة الصحة متابعة الشكوى القضائية  ضد المعتدي على الطبيب أثناء  تأدية واجبه الرسمي في المؤسسات الصحية  ومن الضمانات القانونية للطبيب لايجوز ارسال لجنة تفتيشية  أو رقابية  أو تحقيقية  من قبل مركز الوزارة أو دوائرها  أو دوائر  الصحة في المحافظات إلى مؤسسة  صحية حكومية أو غير حكومية   للتقويم والتحقيق في قضايا المهنية الطبية إلا برئاسة  طبيب لأن الأمور الفنية المهنية يكون فيها النظر من أصحاب الاختصاص الطبي 
من الاطباء.
 
تحديات متعددة
لا تقتصر التهديدات على مهنة الطب فقط بل تتعداها الى التدريس والتعليم فكم من استاذة جامعية تعرضت لمشاكل ومعوقات مختلفة لكنها تجاوزتها بالصبر والعزيمة والارادة، الاكاديمية في الجامعة المستنصرية الدكتورة سهاد القيسي اشارت الى ان مسؤولية الشعور بالتهميش لا تقع على عاتق المجتمع فقط بل المرأة ايضا اذ غالبا ما تشعر بانها غير كفؤة او قادرة على مواجهة المصاعب المجتمعية لكونها لا تتمتع بالاهلية الاجتماعية والثقافة المطلوبة، فضلا عن دور الاعلام الذي يدعم النساء ويساندهن لكنه غيب وجَيرَ لقضايا بعيدة عن هموم المجتمع في فترة النظام السابق، بل ان الظروف والمصاعب التي مر بها المجتمع العراقي اثرت على الاواصر والروابط والعلاقات التي كانت تجمع افراده.
لافتة الى ان التحديات التي تواجه المرأة تتطلب منها الوعي والادراك علما ان القانون العراقي انصف النساء بشكل كبير بل منحهن الدور الريادي ، والاهم ان تتمتع المرأة بالثقة بالنفس من خلال وضع استراتيجيات معينة تسير على ضوئها وهي ان تذكر نفسها يوميا بالمهام التي انجزتها ولاتقلل من اهميتها وتخاطب ذاتها وتحفزها في بداية ونهاية كل يوم، فضلا عن اطلاعها المستمر على المواد المترجمة التي تتحدث عن سير ذاتية لنساء تمكنَّ من مواجهة المصاعب ونجحن في مجال عملهن بل وابدعن بهذا
 الامر.
 
تهديدات ومخاطر
من المهن الصعبة التي تعد هي الاخرى تحديا كبيرا للمرأة هي المحاماة، اذ تجد المحامية هديل الموسوي التي بدأت مشوارها العملي منذ عدة سنوات ان هذه المهنة صعبة جدا ليس فقط بسبب امكانية تعرض المرأة خلالها للتهديد والخطر على حياتها بل ايضا امكانية تعرضها للتحرش والمعاملة السيئة من قبل مجتمعها العملي، ومما يزيد الامر سوءا عدم وجود قوانين صارمة تكفل للمحامية حقها فهي تتعرض اليوم للتهديد العشائري والخطف ولم تجد القاعدة القانونية التي تستند عليها لتحميها وتدافع عنها.
وتروي الموسوي كيف دافعت في قضية قتل طفلة لا يتجاوز عمرها الخمسة اعوام على يد احد اقربائها بعد ان تم تعذيبها بشكل وحشي، فضلا عن قضايا اخرى شكلت تحديا كبيرا لها كمحامية وامرأة بنفس الوقت.
 
الثقة بالنفس
"بينما كنت ادخل الى الردهة لكي افحص احد المرضى تعرضت للمضايقة من قبل احد الموجودين حاولت ان اتعامل مع الموضوع ببرود اعصاب وثقة بالنفس"، تروي هذه الحادثة الطبيبة المقيمة وتستذكر ما حصل قائلة:
"من الواجب على الطبيب المقيم ان يقوم بجولة صباحية او مسائية وفقا لجدوله اليومي، وبينما كنت اقوم بعملي المعتاد وافحص احد المرضى، حاول احد الموجودين في الردهة مضايقتي وازعاجي ببعض الكلمات غير المهذبة ولكني اضع في حسباني دائما كيفية التعامل مع المسيئين فأتجاوزهم ولا ارد عليهم واكمل عملي واغادر
 المكان".
القيسي تلفت الى ان الثقة بالنفس وتقبل تحديات الحياة من اهم الامور التي يجب ان تؤمن بها المرأة تمام الايمان بل تتجاوزها بنشاط وحيوية، وان تؤمن بأن المصاعب التي تعترض حياتها وعملها قد تكون الشيء القليل بالمقارنة مع اخريات يعانين من صعوبات حقيقية في حياتهن تمنعهن من العيش بشكل حر وكريم.
محفزة النساء على ان يحتفلن كل يوم بما حققن من انجازات لان الطريق للثقة بالنفس سيكون معبدا بالانتصارات الاسبوعية فضلا عن التمتع بالمؤهلات العقلية والنفسية والمهارات اللازمة لخوض
 العمل.
 
صراع مزدوج
بعد عام 2003 ظهر النشاط النسوي والنقابي واصبح واضحا، وبحسب الناشطة النسوية والنقابية منال جبار فان المرأة تواجه بشكل يومي جملة من التحديات والصعوبات فكيف بها اذا كانت ناشطة وتعمل في القطاع الخاص هنا تكون المسؤولية مضاعفة فهي من جانب لابد ان تثقف بالمجال الذي تعمل به والخاص بنيل الحقوق العمالية والنضال من اجل المساواة بين الرجال والنساء وهذا يتعارض مع مصالح ارباب العمل ولكن على الرغم من ذلك نجد ان هناك خطوات صحيحة من شأنها ان ترفع من مستوى العمال والعاملات على وجه الخصوص من خلال انضمام العراق الى الاتفاقية الدولية الخاصة بحماية الحق بالتنظيم النقابي، ومن جانب اخر عليها ان توفر موردا اقتصاديا لها ولعائلتها، كل هذه الامور تشكل جوانب تحد كبير لابد ان تكون المرأة على دراية كاملة بها كي تتعلم كيفية تجاوزها.