مخافة الله

الصفحة الاخيرة 2021/08/24
...

حسن العاني
 
منذ ايام الدراسة الجامعية قبل 50 سنة وانا اتابع (تاريخ) بغداد واقرأ عنها بشغف كل ما يقع بين يدي، فقد كانت هذه المدينة بعد حصولها على منصب (عاصمة) لواحدة من اهم الامبراطوريات التي شهدها العالم، مركزاً من مراكز الاشعاع الحضاري، ولم تكتف باستقبال طلبة العلم من كل علم ومن كل بلد، بل رفدت الانسانية كذلك بمئات العلماء والمفكرين وبذلك اصبحت بغداد رمزاً تاريخياً من رموز الحضارة.
الامر المحزن ما ان وهنت المدينة وتداعت عافيتها وذبل عطاؤها ليس بسبب الصراعات الداخلية والاقليمية فقط، وانما قبل ذلك بسبب انشغال زعمائها وقادتها واولياء امورها بثرواتهم وقصورهم وملذاتهم وجواريهم ولياليهم الملاح الى الحد الذي فقدت فيه العاصمة عنوانها الاداري، ودفع اهلها ضريبة باهظة وقاسية لتلك الاوضاع، خراباً وطاعوناً وجوعاً و ... وثمة حكاية واحدة من مئات الحكايات الواقعية تختصر المشهد مفادها ان (الرصافة) كانت تخضع لهيمنة عصابة من (القتلة) يقودها شخص غلب لقبه (اللقيط) على اسمه، بينما كان جانب الكرخ يخضع لهيمنةِ عصابةٍ من (المحتالين) والحرامية يقودها شخص غلب لقبه (الثعلب) على اسمه، وكانت كل عصابة منهما تعمل بحرية في مناطق نفوذها بعيداً عن سلطة الوالي الذي تروي الحكاية بأنه كان متواطئاً معهما في (السر) وكلتاهما تفرضان الاتاوة على التجار وارباب العمل، وكان الفقراء هم الاشد عرضة للأذى، لان الجوع ضرب أطنابه، والسرقات على قدم وساق، والمرض والجهل هو الحاكم المطلق، ومع ذلك صمد البغداديون ولم يهجروا مدينتهم وهم يحلمون بعافيتها، غير ان القدر كان له رأي آخر، فقد ترحمت الناس على تلك المرحلة عندما قام الوالي بجعل بغداد تحت سيطرة العصابتين في (العلن)، وهكذا اصبحت العصابتان عصابة واحدة تمارس (القتل والاحتيال والسرقة)، وتعرض السكان الى حالة لم يتعرضوا لها من قبل حتى تقول الحكاية انهم اكلوا القطط والكلاب، وظل الامر كذلك حتى مات الوالي بالطاعون، وحل محله والٍ تسميه الحكاية (يخاف الله)، وكان رجلاً عادلاً وشجاعاً بدأ بإعادة الامن والحياة الى العاصمة، ولكنه لم يستمر طويلاً، فقد مات هو الآخر بالطاعون، وظهر القتلة والحرامية من جديد، الا ان بغداد ظلت حية صابرة تقاوم الطغاة والسراق وتحلم بوالٍ شجاعٍ قوي 
يخاف الله..