العلاج الجمالي في العرض المسرحي

ثقافة 2021/08/24
...

 د. جبار خماط حسن 
 
مقاربة العلاج في المسرح ليست جديدة، ارتبطت بـ «أرسطو» حين أطلق في كتابه «فن الشعر» مصطلح التطهير؛ لتخليص الذات من الطاقة السلبية التي يعيشها البطل التراجيدي، والتي تدفع المتلقي أن يتخلص من عاطفتي الشفقة والخوف من تكرار مصير البطل التراجيدي نتيجة جهله بعاقبة الأمور، ولأن الحياة في صيرورة تطور، فإن الذات الإنسانية مازالت تخشى المجهول الذي يعالجه المسرح، والرغبة في التخلص منه عقلا ووجدانا، هكذا تطورت النظريات الفلسفية حتى ظهرت الفلسفة الظاهراتية، التي تعطي لنا مثالا يعالج تيار الحياة وعلاقة الوعي بما يجري من وقائع وظواهر، إذ لو كنت ماشيا في شارع مكتظ بالناس، قطعا ستجد نسيجا غير متجانس من الألفاظ بين الحدة أو النعومة، بين المقبول وغير المقبول، ولهذا لا يمكن أن تسجن الألفاظ من شارعها، لأنك بهذا أشبه من يريد أن يلقي القبض على الهواء.. هذا ما تسميه الفلسفة الظاهراتية. 
التعليق الظاهراتي مفهوم أوجده «ادموند هوسرل» يرى الفن بمنظور مغاير عن السابق، إذ يقول: بإمكانك أن تقتطع من تيار الحياة ما تشاء، تجعل منه مادة الاشتغال في عملك الفني، هذا التعليق يجعل المخرج أشبه بالجراح الذي يحقق نجاح العملية بمشرطه بعد عزل المريض عن تيار الحياة التي تمشي من دون توقف!، طبعا باستعمال المخدر يتوقف المريض بوصفه ظاهرة للفحص والجراحة، الذي سرعان ما يعود إلى الحياة بعد زوال
المخدر. 
كذلك المخرج غانم حميد، اشتغل على الحياة بعد مراقبتها، اقتطع منها مقطعا مريضا يعاني من اضطرابات سلوكية لا تقترن بالمقبول وغير المقبول، أو الجائز أو غير الجائز، إذ حين يقترن العرض بالجاهز اليومي، وعدم مغادرته، فإنه إعلان بالموت بانتظار ختم شهادة الوفاة للفن، ومحاولة الإسراع بدفن جثته!.  
ما وجدته في عرض «The home” نوع من المقاومة الجمالية لكل ماهو غير متناغم وغير جميل في الحياة، بهدف تحويله إلى نسق جديد قوامه الدهشة وأدواته عناصر الفن البصرية والسمعة
والحركية.
هل كان غانم حميد جراحا فنيا ناجحا، جاء بالمقطع المريض من الواقع بكل حمولته الصادمة أو غير المقبولة في الحياة؟، هل يجوز للمبدع ما لايجوز لغيره؟.
 هل انطلق المخرج من فرضية: ما حدث ويحدث فتنة نائمة  ملعون من أيقظها؟، إذ ليس اعتباطا أن يبدأ العرض بشخصيات نائمة أو ميتة وثمة شخص يوقظها بطريقة مستفزة!، وهنا منطق الإخراج/ الجراحة الفنية، والشخصية المستفزِّة -بكسر الزاي-/ مظفر الطيب/ هي كائن شبحي يدخل ويخرج متى شاء وأنى شاء، لأن الوطن/ The home كان هادئا مسالما وحميميا، لولا التدخلات المبرمجة/ المريضة، جعلت من وطننا مستباحا لا يقين فيه، لأن مساحة التشويش عالية، ولهذا تعزيز عدم اليقين في إيجاد لعبة أشبه بالمتاهة، طاقية الاخفاء هي استعارة لمفهوم الذكي الذي يتمكن من الخروج منها، بمعنى العرض يطرح سؤالا ضمنيا مضمرا: من يخلص الوطن من المتاهة؟، الابن أم الزوجة أم الأم؟، هل نتقدم أم نتأخر في مفهوم الجائز وغير الجائز؟، الوطن يستغيث ونحن في  الرطانة غارقون!. 
هكذا يطرح لنا غانم حميد مفهوم العرض المسرحي بوصفه واقعة قابلة للجدل المتوالد بين الذات وقيمها، وبين العرض وقيمه، فمركب الذات هو يقين العمر بأكمله، أما يقين العرض فهو عمر افتراضي يصنعه المخرج، تتعدد فيه الأزمنة والأمكنة، في الحياة لا يشاركك أحد فيها، لكن حياة العرض المسرحي شرطها مشاركة الجمهور فيها، ولهذا من شرطية التلقي المسرحي العليم هو تأجيل القناعات الجاهزة التي تعلّمناها في الحياة، والنظر إلى العرض المسرحي حياة مفترضة، يصنعها المخرج، تشتغل بمفهوم نفي النفي، الذي تناوله هيجل في تفسيره للفنون، اذا تكون الرؤية الفنية هي نفي للواقع / نفي أولي، ويكون تحويل الرؤية إلى معالجات مسرحية، هي نفي لها ثانٍ؛ لذا جسد العرض هو اقتطاع من جسد الحياة، يكون جزءا يعادل الكلية، اي ما قدمه غانم حميد، خبرة فنية اقتطعها من الحياة. 
وبعد المعالجة الفنية ظهرت على نحو جديد صادم، يزيح القناعات الجاهزة، وهو ما نجح فيه، إن ما شاهده الجمهور من شخصيات داخل البيت/ الوطن، هي احتمالات لخلاص الوطن من أزماته، وطاقية الاخفاء هي معالجات فردية متقاطعة، لا تؤدي إلى نجاح العملية/ الجراحة الجمالية؛ لذا يبقى الحال على ماهو عليه في نهاية العرض حين عادت الأجساد
للنوم!. 
خطاطة العرض المسرحي علاجيّاً
الرجل + الزوجة + الأم = محاولات فاشلة لتخليصه من أزماته. 
الرجل - السمسار = تدخلات خارجية وداخلية جعلت الوطن مريضا. 
الإخراج = تدخل جراحي فني، لتقديم رؤية صادمة لفاجعة الواقع المعاش.
السينوغرافيا = تجريد مع خطوط هيكلية للوطن، سمحت للرجل/ السمسار الدخول من كل الجهات ما عدا الباب!
النص = دعامة أولية لتعزيز واقع تواصلي صادم بين الشخصيات، يمزج اللهجة بالفصحى، لإعطاء طراوة وإيقاع أدائي نجح الممثلون في ضبطه وتفاعله مع
 الجمهور.
مهارات أدائية: هناء محمد ومحمد هاشم وبيداء رشيد ومظفر الطيب ومحمود شنيشل، امتازوا بالمرونة الأدائية مع طاقة تحكم بالصوت والجسد بوصفهما مرسلتين أساسيتين في عملية استقبال الجمهور، تناسق وتناغم الأدائي أعطى للعرض مساحة تفاعل مع الممثلين في وحدة شعورية
 وفكرية.