نجم الشيخ داغر
وانا استمع لاحد خطباء المنبر الحسيني يوم امس، لفتتني عبارة ذكرها وأكد عليها كثيرا باسلوب خطابي جميل، قائلا ان الامام الحسين عليه السلام يحترم الاختصاص.
ولتوضيح الامر ذكر ان الامام الشهيد قال لمؤذنه الخاص الحجاج بن مسروق الجعفي يوم العاشر من محرم الحرام، اي يوم استشهاده، أتسمح يا حجاج أن تدع ولدي علي الاكبر يؤذن لصلاة الظهر هذا اليوم، وكأنه اراد توديع صوت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لأن الاكبر (ع) كما هو معروف كان اشبه الناس خَلقا وخُلُقا ومنطقا بالرسول الاكرم (ص).
ومع ما تضمنته هذه الرواية من قيم اخلاقية وتربوية عظيمة، كما في استئذان سيد شباب اهل الجنة من المؤذن، كي لا يشعر ان هذا اعتداء او تجاوز على اختصاصه، فضلا عن الوفاء غير المطلق والحب اللامحدود للنبي (ص) وما تشير اليه من حزن عميق يلتهب في قلب ريحانة رسول الله، إلا ان ما اود التركيز عليه هو ذلك الاحترام الكبير الذي ابداه الامام الحسين لصاحب الاختصاص.
عجيب هذا الرجل الالهي، فحتى وهو وسط محنته التي وصفت بأن لا يوم كيومك يا ابا عبد الله، تراه يسطر لنا اروع الدروس الكفيلة بقيادة الانسان الى تحليه بكل ما يحتاجه من كمالات للوصول الى أن يكون كما اراده خالقه تبارك وتعالى.
ولعله اراد الاشارة هنا الى ضرورة توزيع المهام بحسب ما يحسن كل انسان، لان ذلك يدفعه لاخراج كل طاقته الابداعية في هذا المجال، وبالتالي تهيئة فرص النجاح والنهوض للفرد والامة كتحصيل حاصل.
هذه القضية جعلتني اتحسر لكم الدروس والعبر التي ضاعت منا في هذه الملحمة الالهية، بسبب تركيزنا على الامور العاطفية واستدرار الدموع، وكأن الامام قُتل من اجل أن نبكيه فقط ، في حين ان ما جرى في الطف يعد بانوراما حقيقية اكتنفت في طياتها كل ما يحتاجه الفرد او المجتمع للنهوض ورمي رداء الكسل والفشل، وبالتالي الوصول للنموذج الذي كان الحسين(ع) يخطط لبنائه بدمه الطاهر.
من هنا نستطيع أن نشير الى واحدة من اهم المعضلات التي اوصلتنا الى الحال المزري الذي نحن فيه اليوم، وهو وضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب.
فلو ان كل صاحب اختصاص وفرت له الدولة السبل الكفيلة لترجمة ما تعلمه او درسه او حتى ما يحسنه عن طريق الموهبة، لكان الحال غير الحال، وايضا لو ان صاحب الاختصاص لم يقم بالتطفل على غير اختصاصه، لما بتنا وكأننا نتقدم خطوة ونتراجع عشرا.
واعتقد اننا رأينا من هذا الكثير، فكم من مسؤول تسنم وزارة ما او دائرة ما وهي بعيدة كل البعد عن اختصاصه، الامر الذي تسبب ولا يزال بمشكلات جمة، حتى اصبحنا وكأننا نغرز يوميا وسط كثبان رملية متحركة ولا امل بالخروج منها في المستقبل المنظور، بسبب استمرار النهج نفسه والمحاصصة نفسها التي دأبت عليها الاحزاب المتشاركة للسلطة.