يمثل الشاعر بدر شاكر السياب (1926 ـ 1964) لحظة إبداع فارقة في تاريخ الشعر العربي ومسير تحولاته، وهو بجملة أدونيس «طليعة الجدّة في شعرنا»، تلك الجدّة التي وهبت الإبداع الشعري العربي حياةً حافلة وغيرت من نظرته للتجربة الانسانية وآليات التعبير عنها. إن الحديث عن تجربة السياب يفتح أفقاً للتفكير بالريادة بمختلف معانيها «ومعها أخذ ينشأ للشعر العربي الجديد وسط تعبيري جديد»، فالتغيرات النوعية في نظام كتابة القصيدة العربية يقتضي، بالضرورة، تغيراً في سبُل تلقيها والوقوف على دلالاتها، لتمتدّ مراجعة أثر القصيدة إلى ما أحدثته من آثار في المجال السوسيوثقافي، وما أحدثته من تغير في الذائقة والمزاج والتصوّر والإدراك الشعري، فلم يتوقف أثر التحديث الشعري داخل حدود القصيدة مقيّداً ببنيتها الإيقاعية واللغوية منغلقاً عليهما، بل امتد لسبل التذوق الشعري منتقلاً بها من ماضوية راسخة إلى بُعد زمني حافل بالمتغيرات والنبوءات.

بناءً على ذلك، وعلى كثيرٍ سواه، تكون الدعوة لإنجاز (موسوعة السيّاب) أمراً شديد الأهمية والضرورة لما حققه إبداع السياب من منزلة عالية وما شكّله من حقل جاذب للدراسات على اختلاف مناهجها واتجاهاتها في مختلف لغات العالم، فالسيّاب يقف بين قلة قليلة من المبدعين العرب حظي أدبهم بعناية تعدّت جغرافيا اللغة العربية، لتهيئ الموسوعة مادةً علميةً منتظمةً دقيقةَ التصنيف لتراث الشاعر وما كُتب عنه مثلما تضيء حياته القصيرة الحافلة، فهي تتوجّه لدراسة الجوانب اللغوية والإيقاعية وطبيعة الصور الشعرية وآليات بنائها وسواها، مثلما تبحث في البعد البيئي للقصيدة السيابية، والوقوف على تجليات البيئة الخصيبية التي تشكّل جزءاً فاعلاً من بيئة جنوب العراق وتأثيراتها في التجربة الانسانية كما انعكست في القصيدة، وبيان الجوانب التاريخية والثقافية التي حملتها القصيدة، بما تشتمل عليه من عادات وتقاليد وإشارات لخرافات وأساطير وملاحم، وصيغ ابداعية مختلفة حاضرة في شعره، مثل الأشعار العربية والعالمية، والأمثال والحكم والأيام، والشذرات الفلسفية والفكرية، فضلاً عن ببلوغرفيا تفصيلية توثق أعماله بطبعاتها المتعدّدة، وما كُتب عنه في اللغة العربية وغير العربية، وذلك كما هو واضح، عمل ليس باليسير ولا بد من تضافر جهود عدة مؤسسات أكاديمية وغير أكاديمية لتحقيقه، ليكون علامة مضيئة في سجل الثقافة العراقية مثلما كان السياب علامة مضيئة في سجل الثقافة العربية.