الرثاء في شعر الحاج زاير

فلكلور 2021/08/26
...

   محمد الخالدي
(من كتابات الراحل الأستاذ محمد الخالدي التي خصَّ بها هذه الصفحة ولم تنشر هذه الدراسة عن الشاعر المتفرد الحاج زاير الدويج)
نبذة تعريفيَّة بالشاعر:
هو: أبو عسكور, زاير بن علي بن جبر المسلماوي, المعروف بالدويج, تتنازعُ شهرتَهُ مدينتا النجف والحلّة, فبعضهم يرى أنّه حلّي الولادة, لكونه ولد في منطقة برس التي تقع على مقربة من ناحية الكفل, ويرى آخرون أنّه نجفيّ, لكونه نشأ وترعرع في هذه المدينة المقدسة. وأرى أنْ نسمّيه الحاج زاير النجفي الحلّي إنصافاً للمدينتن.
قيل إنّه ولد في النجف عام (1277هـ/ 1860م), وعاش اثنين وخمسين عاماً, ولكني أرجحُ ولادتَه في الحلة, أما وفاته فقد كانت في العام (1329هـ/1911م), وهناك من يزعم غير ذلك. ومما يحسن أنْ يقال إنَّ الحاج زاير كان على علاقة وثيقة مع بعض زعماء وشيوخ عشائر منطقة الفرات الأوسط, كالمشخاب والشامية وغيرها.
 
مدخل للتعريف بفن الرثاء
الرثاء فنٌ من فنون الأدب العربي القديمة, عرفتهُ العربُ قبلَ الإسلام, وأبدعتْ فيه, وقد سلكَ فيه الشعراءُ المسلمون ثلاث طرقٍ هي: الندبُ والتأبينُ والعزاءُ, وهذا ما يؤكده الدارسون للشعر العربي.
ومن أمثلة شعر الندب, قول الشاعر أبي ذؤيب الهُذلي في ندب الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (1):
كسفتْ لمصرعِه النجومُ وبدرُها وتزعزتْ أطامُ بطنِ الأبطحِ
وتـزعـزتْ أجــبالُ يثـربَ كـلهـا ونخيُلها لحلولِ خطبٍ مُفدحِ
ومن أمثلة شعر التأبين قول أبي الأسود الدؤلي في تأبين الإمام علي ابن أبي طالب عند استشهاده:
أفــي شـــهرِ الصيامِ فجعـــتمـونــــا بخيـــرِ الـناسِ طُـرا أجمعينا
قتلــم خيـــرَ من ركــــب المطايـــا وخيسها ومن ركــب السفينا
إذا استقبلتَ وجه أبي حسينٍ رأيـــتَ الــــبدرَ راقَ الــناظريـــنا 
لقد علمتْ قريشٌ حيثُ حلتْ بـــأنّـــــكَ خيــرُها حسباً وديـنــا
ومن أمثلة شعر العزاء, قول أبي ذؤيب الهُذلي في بنيه الخمسةِ الذين فقدهم مرّة واحدة, فقال:
أودى بنيّ وأعقبـوني غُـــصةً بـعد الــرقاد ِوعـــــبرةً لا تُقلعُ
فغبرتُ بعدهمُ بعيشٍ ناصبٍ وأخــــالُ إنّي لاحـــقٌ مُستتبعُ
وإذا المنيةُ أنشبتْ أظفارهَـا ألفيـــتَ كـل َ تميـــمةٍ لا تنفعُ
والنــفسُ راغــــبةٌ إذا رغـــبتهـا وإذا تـــردّ إلـــى قلــــيلٍ تـــقــــنعُ
أما أنواع الرثاء, فهي: رثاء النفس, ورثاء الأعضاء, ورثاء المدن, ورثاء الأبناء ورثاء الآباء ورثاء البنات ورثاء الزوجات ورثاء الجواري, وغيرها.
ومن أمثلة رثاء النفس, قول مالك ابن الريب:
ألا ليـــتَ شــعري هـــل أبيتن لـــيلةً بجنبِ الغضى أرعى الغلوصَ النواجيا
فيا صاحبي رحلي دنا الموت فانزلا بــرابـــــيــة إنــــّي مــــقــيــــم لـــــيالــــــيا
وخطا بأطراف الأسنة مضجعي ورداً علـــى عيـــنيّ فـــضــــلَ ردائـــــيا.. إلخ
ومن أمثلة رثاء الأعضاء, قول بعضهم في رثاء بطنه:
أرجو بها من ربنا ثواباً قد كنت ممن أحسن الضرابا
ولأهمية شعر الرثاء عند العرب ارتأى ابن سلام الجُمحيّ (ت 231هـ) أنْ يضعَ شعراء هذا اللون في كتابه (طبقات فحول الشعراء) في طبقة خاصة سمّاها (طبقة أصحاب المراثي), وقد تمثلت هذه الطبقة بـ(متمم بن نويرة والخنساء بنت عمرو وأعشى باهلة وكعب بن سعد الغنوي).
ولم يقتصر شعر الرثاء العربي على من ذكرنا, بل برز شعراء آخرون غيرهم كمالك ابن الريب وأبي الحسن التهامي ومسلم بن الوليد والفارعة بنت طريف وغيرهم»، ولم يكتف الشعراء بتصوير شعورهم الحزين, بل يضيفون إليه إشادة بالميت ومناقبه).
 
شعراء أدب الطف
والشعر الشعبي العراقي جزءٌ لا يتجزأ من الشعر الشعبي العربي, وقد برزت فيه أسماء شعرية لشعراء كبار, يقف في مقدمتهم شعراء أدب الطف الذين تفننوا في هذا الغرض الشعري, حتى أصبحت قصائدهُم محطَ اهتمام كثيرٍ من الدارسين. ويعدُّ الشيخ العلامة ابن نصار (صاحب النصاريات الكبرى) المتوفى سنة (1294هـ/ 1877م) في طليعة هؤلاء الشعراء الشعبيين الذين كتبوا في قضية الطف, ثم يليه الشاعر الشعبي الشهير الحاج زاير, الذي يعدُّ من أبرز شعراء عصره, إذ تميّز شعرهُ بالبساطة والوضوح، وقد قيل عنه إنه كان سريعَ الارتجالِ في الشعر, لا سيما في الغزل والهزل, وقد قارن بعضهم شعره بالمتنبي, إلا أننا نجدُ في ذلك غلواً, فشتان ما بين المتنبي, وزاير, كما أنّ بعض النصوص التي ضمها ديوانه الذي جمعه وأعده الحاج محمد باقر الإيرواني, ما زالت موضعَ خلافٍ بين الدارسين والباحثين, إذ إنَّها لم تخضع للتحقيق والتدقيق من لدن باحث محايد.
وعودٌ على بدء أقول: إنّ المتعارف عليه أنّ السمةَ الغالبةَ على شعر الحاج زاير, هي: الغزل والهزل والمدح والهجاء, إلا أنّ ديوانه لا يخلو من شعر المراثي.
 
الرثاء عند الحاج زاير
يسلك الحاج زاير في رثائه, مسلك الشعراء التقليديين الذين يتجهون برثائهم نحو إثارة المشاعر والعواطف الكامنة في النفس الإنسانية, معرجاً بعد ذلك على ذكر محاسن الميت التي تتمثل بالشجاعة والكرم والجود وحسن السيرة, وهذا ما نجده في شعره الذي رثى به بعض الشخصيات العشائريَّة. كما ينسحب ذلك في مراثيه لأهل البيت (عليهم السلام) الذي جمع فيه بين الرثاء والمدح, فهو عندما يرثي أحداً من رموز الطف, مثلاً فإنَّه لا يكتفي بالرثاء فحسب, بل يضفي صفات البطولة والشجاعة والمروءة على المرثي, وهذا ما لمسناه في قصائده التي رثى بها العباس والقاسم وبني هاشم الذين استشهدوا مع الإمام الحسين «ع» في كربلاء, وقد يمزج في بعض مراثيه بين الرثاء والعتب, كما في قصائد (أرد أعاتب كربله على اضيوفها), و(جينه ننشد كربله امضيعينها), و(جينه ننشد خيمكه), و(خيمكه برايات متمنيها), والملاحظ أنَّ أغلب قصائده التي نظمها في رثاء رجال الطف, كانت من وزن الموشح الذي يتسم بالسهولة وعدم التكلف, منها:(فخر هاشم سورها ومنعوتها), و(ريت حيدر كربله بيها يشوف), (وين حلال المشاجل ما تكوم؟), و(ليوث هاشم ما تذل انفوسها), و(ريت حيدر ينتهض بركوبه), وهناك بعض القصائد التي نظمها على وزن حدي, فضلاً عن مقطوعات قليلةٍ من النعي.
أما بالنسبة للفنونِ الشعريةِ الأخرى كالزهيري, والأبوذية, فقد كانت قليلةً بالقياس إلى القصائد. 
من هنا يمكن القول إنّ الرثاء في شعر الحاج زاير لم يكن شعراً منبرياً, كما متعارف عليه في الوقت الحاضر, بل كان ينظم بطريقة المربعات, وهذا ما يرجح عدم شيوع شعر المنبر في تلك المرحلة, إذ لم نجد في ديوانه حتى لنص واحد منظوم بطريقة الشعر المنبري, الذي ربمّا ظهر بعد منتصف الثلاثينيات من القرن المنصرم, إذ لم نجد نصاً منبرياً قد نُظم قبل هذا التاريخ.
أما شعر الرثاء عند الحاج زاير فيمكن تقسيمه على أربعة أقسام:
أولاً: شعره في مراثي آل البيت:
للحاج زاير, مجموعة من المراثي في حق آل البيت تربو على إحدى عشرة قصيدة, فضلاً عن عددٍ قليلٍ من أبيات الأبوذيَّة والزهيري, ومن أمثلة هذه القصائد, قصيدته الشهيرة (جينه ننشد كربله امضيعينها), إذ يقول في بعض منها:
جيــنه ننشد كربله امضيعينها بيـهـــا زيــــنــب كـــالــوا امــيسريــنهــا
 ***
يــسّروهـا ولا الها واحــد فـزع شال حادي أظعونها أبساع أوكــطع
جينه ننشد وين أبو فاضل وكع مـــــا تــدلّـــونـــه الشــريــعـه ويــنـهــا
 ***
بس أشــوفه والعتب منّي يزود وأدري أبــو فاضل على النخوه يــجود
عذره حكّه ايكول مكطوع الزنود أوحــال مــلــج المـــــوت بـيــنه وبينـهــا
وله في الرثاء أيضا بوزن الأبوذية:
يحادي العيس بالله اعليك ونهن لما يكضن خـــوات احسين ونهن
هاي الجثث باجي الروس ونهن خــذوهن للــدعـي وابــن الـدعيّه
وله في النعي عن لسان زينب,وهي من النعي المهداد:
أنه أنــخاك يا عــــباس دكـعـد دنـهض يخـــويــه المحــملي شــد
وكت الرجب أنته تكف سد خــاف الخــليج اعــيونها اتصـــد
أو حادي ضعنه ايريد يبعـد مـــا خــذ ســبايــــه أونـيتـــه أيــــمــد ...........إلخ
ثانياً: شعره في رثاء السادات والأشراف:
لا يخلو شعر الحاج زاير من رثاء بعض السادات والأشراف, لا سيما الذين كانت تربطهم علاقة به, منهم: السيد صالح آل رهمة, رئيس عشيرة السادة الكصار في الشامية, الذي رثاه ببعض أبيات الأبوية, منها قوله:
أمصابك جــرح دلالي وفاتك فــت حـــال الهــوه يدعج وفاتك
ابــيوم البيه كــالوا وفــــــاتــك سجب دمعي دمه واسجه الوطيه
ثالثاً: شعره في رثاء زعماء العشائر:
قلنا في فقرة سابقة إنّ الحاج زاير(رحمه الله) كان ذا علاقة متينة مع بعض زعماء وشيوخ عشائر منطقة الفرات الأوسط, ومن الطبيعي أنْ يرثي أولئك الزعماء والشيوخ عند موتهم, كنوعٍ من الوفاء والإخلاص لهم بعد الرحيل, وقد حفل ديوانه ببعض الأسماء التي قيل إنه رثى لهم كالحاج سكر زعيم آل فتلة, والشيخ مجهول آل شنته, من رؤساء عشائر آل فتلة في الشامية, والشيخ مبدر آل فرعون, وسنكتفي بالإشارة إلى بعضهم, فمن قصيدة تُنسب له في رثاء الحاج سكر, نقتطف منها هذه الأبيات:
اليوم حزنان المجد وهدومه سود مــير»حمير» غاب يا ملفه الـوفود
 ***
 اليوم حزنان المجد وابجاه ويــــد عــكب أبو مظهر فلا يلبس جديد
 روض جان أويكصدونه من بعيد يــعجـــب الــوفــاد والكــاصــد يــرود
 ***
 والــوفود اتنوح إله مد العمر أوجــفــه نــــاكة صــــالح أودومه يــدر
 كل بحر معلـوم بي مد أو جزر أو بحر أبو مظهر فلا ينكص يــزود
رابعاً: شعره في رثاء الأصدقاء:
لم نجد من شعره في رثاء أصدقائه, سوى نصٍ واحد, كان يخاطبُ به صديقاً له يُدعى (جاسم الكديش) من أهالي الكفل, ويعزي إيّاه بوفاة المرحوم عباس الشكري في قصيدة, نقتطف بعضاً من أبياتها, وهي من وزن المربعات, أو ما نسميه اليوم بالتجليبة:
 يجــاسم والــهوه العذري أومناويه بعــد للكوس مــدفــع مــا بكه بيــّه
 ***
 بيه ما بكه مــدفــع بعــد للكــوس ومن البين راسي أشكثر يحمل دوس
 لم جيشه عليه أولا رجـــع متروس صكني أو صــرت نيشان المــرامـيه
وله في الزهيري, هذا البيت الذي يُنسب إليه في رثاء الرادود خليل الشمّاع, يؤرخ فيه يوم وشهر وعام وفاته, إذ قال:
حـــزني أعله ولفاي دايـم يــــا رفـــاكه لحـد
وحدي أنوح أكتفـي ما ريــد نــــاس اولحــد
سيفي فكـــدته أوغــيره مــا يفـــيد إلــه حـــد
أشما جنت أكلّه حظر ما بين أديـــه ولــــف
يا لايمــــي لو لمتــني اشـلون فــــاجـد ولـــف
بالــثلــث مـــيه وثـــــلاثين أوثـــــلاثه ولــــف
اسباعطعش رمضان أرخ بي خليل انـلحد
وخلاصة القول إنّ رثاء الحاج زاير قد غلبت عليه العفوية والبساطة وعدم التكلف, وكانت هذه السمات هي السائدة والمألوفة في شعر تلك الحقبة من تاريخ الشعر الشعبي.ـ